نشر بتاريخ: 2019/05/27 ( آخر تحديث: 2019/05/27 الساعة: 12:59 )
عدلي صادق

سنتان على أحمد دحبور

نشر بتاريخ: 2019/05/27 (آخر تحديث: 2019/05/27 الساعة: 12:59)

مرت سنتان على رحيل أحمد دحبور، شاعر الثورة، والمدون شعراً وقائع أوقاتها، بقصائد وأغانٍ عذبة، ولغة أشبعها أحمد، بكل ما تحتاجة من قوة البداهة وصفاء الينابيع!

 هو الشاعر الذي لم ينل حقه من الإحتفاء الممتد، ولا حتى في أواخر أيامه عندما أعياه السقام، إذ لم ينقل الى سرير استشفاء فعال، بعد استفحال المرض، إلا تحاشياً لفضيحة أن يؤدي الواجب فلسطينيون آخرون من خارج السلطة.

ولد أحمد دحبور في إبريل 1946 في مدينة حيفا، وحَمَلته عائلته طفلاً أثناء النكبة، في اتجاه  لبنان، ومنها إلى سوريا، حيث استقرت الأسرة في مخيم حمص للاجئين، الذي عاش فيه أحمد 21 سنة. هو الشاعر الذي أنتجه القاريء. فأحمد لم يتلق تعليماً أساسياً كافياً، لكنه انكب على القراءة في شبابه اليافع،  بشغف ونَهَم، وعاش حياة المخيم، كواحد من الفتية في تجمعات اللاجئين الفلسطينيين، وجرب الطفولة المعذبة وفقر الأب وحسرة الأم واستشهاد الأخ الشقيق. أي إن الشاعر عاش تجربة اللاجيء من داخلها فتجسدت في قصائده.

كان "أبو يسار" يسكب في الصحاافة الفلسطينية، ذوب روحه نثراً وشعراً، ويقدم شعراء آخرين ويعرض أعمالهم، وقد دأب في جريدة "الحياة الجديدة" الفلسطينية، على أن يقدم في كل أربعاء،  عملاً لأديب أو شاعر أو مفكر، ممن ناصروا القضية الفلسطينية. وكان أحمد دحبور، على المستوى الشخصي، رقيقاً عالي التهذيب لا يخدش مشاعر أحد، وتقلق روحه  جرعة عالية من الثناء، أو هبة زائدة من النسيم، ولم  يلهث يوماً وراء النجومية والهوس الاحتفالي بالذات، ولا بتلميع صورته في وسائل الإعلام، على رغم وقوفه في الطليعة بين الشعراء الفلسطينيين والعرب. ففي ذات يوم،  رأى فيه محمود درويش، مستقبل الشعر الفلسطيني وعلامته الفارقة!

نَظَمَ أحمد دحبور الشعر مبكراً، وأصدر مجموعته الشعرية الأولى "الضواري وعيون الأطفال" عام 1964 ثم عام 1971 فأصدر مجموعته الثانية "حكاية الولد الفلسطيني" التي أظهرت انحيازه السياسي للثورة الفلسطينية، وجسدت الحالة الفلسطينية في مخيمات اللجوء والتشرد. فقد انتمى منذ شبابه إلى حركة فتح، وتغنى بها في أشعاره واتخذ في سبعينيات القرن الماضي مواقف صريحة من بعض الأنظمة العربية التي اصطدمت مع الثورة. وفي انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني في غزة، لتغيير مواد في الميثاق الوطني الفلسطيني نزولاً على ضغوط الأمريكيين، رفع يده معترضاً. وباعتباره إبن المؤسسة التي أبرمت أوسلو وابتعلت الصنارة، فقد عاد مع العائدين، لكنه ــ هو تحديداً ــ الذي اخترع تسمية طويلة أخرى، للضفة وغزة،  بدل تسمية الوطن، وهي "الجزء المتاح من الوطن" وكانت تلك تسمية متفائلة في وقتها، لأن الجزء المتاح لم يعد متاحاً بمعايير الحرية والسيادة!

الحالة الفلسطينية في أشعاره أحمد دحبور وصفها بنفسه قائلاً "إنني فتّحت عيوني على النكبة، لذلك أصبح السؤال الوطني في قصائدي سؤالا وجودياً، وفي عيد ميلادي الثاني، لم يشعل لي أهلي شمعتين، بل حملوني وهاجروا من حيفا".

بعد وصوله الى "الجزء المتاح له من الوطن" ذهب الى حيفا لكي يرى بأم عينه فرن أبيه والدار بجوارها. أجهش بالبكاء عندما وجد الدار تماماً مثلما رسمتها له أمه بأحاديثها الكثيرة، وحفظ هو الرسم في مخيلته.

قبل سنتين، فقدت فلسطين أحد ألمع شعرائها على مر التاريخ، وأحد أكثر شعرائها اتصالاً بالموهبة ولهب الإبداع والجيشان الداخلي ذي الطبيعة الغنائية، في استعادات حميمة لرواية المخيم. لكن الحديث عن شعره لا بد أن يسبقه دائماً حديث موازٍ عن الإنسان الذي فيه. إذ قل أن احتفظ شاعر من الشعراء بهذا القدر من اللطف ونقاء السريرة اللذين امتلكهما أحمد دحبور وحافظ عليهما على امتداد حياته.