أهمية الحوالات المصرفية في الاقتصاد الفلسطيني
ماجد أبو دية
أهمية الحوالات المصرفية في الاقتصاد الفلسطيني
على مدار السنوات الماضية وتحديداً منذ بداية الانقسام عام 2006، سعت سلطة النقد بكل جهــد أن تكون على مسافة واحدة من كل مكونات الشعب الفلسطيني، حكومة وفصائل ومؤسسات ومواطنين، لتجنيب الجهاز المصرفي التجاذبات السياسية الحادة وحالة الاستقطاب الكبيرة التي تمر بها الحالة الفلسطينية، لعدة أسباب، لعل أهمها أن الجهاز المصرفي هو صمام أمان النظام المالي الفلسطيني.
فسلطة النقد ، كانت قد اعلنت عام 2013، أنها ملتزمة بتطبيق مقررات لجنة بازل الدولية الثانية والثالثة، وتطوراتها في العديد من المجالات الرقابية وخاصة فيما يتعلق بالحوكمة وادارة المخاطر وتطبيق المبادئ الاساسية للرقابة المصرفية الفعالة وظهر ذلك جلياً في التشريعات الصادرة عنها، بشأن كفاية رأس المال، وتطبيق مقررات بازل (II) وتطوراتها من خلال خطة شاملة تراعي خصوصية الواقع الفلسطيني وبما يواكب الممارسات الدولية الفضلى
ورغم أن قرارات هذه اللجنة ( لجنة بازل II)، للرقابة المصرفية وهي اللجنة التي تأسست وتكونت من الدول الصناعية العشرة مع نهاية عام 1974 تحت إشراف بنك التسويات الدولية بمدينة بازل السويسرية، بعد أن تفاقمت أزمة الديون الخارجية للدول النامية، وزاد حجم الديون المشكوك في تحصيلها، والتي عاني منها بشدة العديد من البنوك والمصارف العالمية، وبسببها تباطأت معدلات النمو الاقتصادي.
لا تتمتع بأية صفة قانونية إلزامية، الا أنها تتمتع في العمل بقدر كبير من الاحترام الفعلي، وأصبح ينظر إليها باعتبارها معياراً لسلامة النظام المصرفي وبناء على ذلك بدأت اللجنة تتوسع في أعمالها.
ونتيجة للتطورات المستمرة في متطلبات بازل(خاصة المبادئ الاساسية للرقابة المصرفية الفعالة) التي أصدرتها اللجنة عام 1997من جهة ، وتطور القطاع المصرفي في فلسطين وتوسع انشطته وخدماته من جهة أخرى، وحرصاُ على سلامة واستقرار الجهاز المصرفي الفلسطيني، وتجنبه أية مخاطر متعلقة بجريمة غسل الاموال وتمويل الارهاب، وتنفيذا للمرسوم الرئاسي رقم (14) لسنة 2015 بشأن تنفيذ قرارت مجلس الامن والالتزام بأحكام التعليمات الصادرة عن اللجنة الوطنية لمكافحة غسل الاموال وتمويل الارهاب فقد باشرت سلطة النقد باصدار التعليمات والتعاميم والارشادات في مجال مكافحة غسل الاموال وتمويل الارهاب للمؤسسات الخاضعة لرقابتها، مصارف ومؤسسات اقراض،والتي كان من أهمها تحديث بيانات حسابات الاشخاص الطبيعين والاعتباريين، وتوفير الوثائق المعززة لذلك.
ومراقبة الحوالات الداخلية، والخارجية، والسريعة، بهدف تحديد وتقييم مخاطر هذه الحــوالات، وهذا تتطلب التعرف على هوية العميل، وأوضاعه القانونية، ونشاطه ومصدر الاموال والغاية من العمل، وطبيعتها والمستفيد الحقيقي ، وعدم التعامل مع الاشخاص مجهولي الهوية، أو الذين يحظر التعامل معهم والمدرجين على القائمة الصادرة عن لجنة العقوبات الدولية استناداً الى قرار مجلس الامن الدولي رقم (126) لسنة 1999، والتحقق من كل ذلك في اطار مكافحة غسل الامــوال، والحفاظ على الاستقرار المالي
قطاع غزة يعتمد بصورة أساسية على الحوالات المالية، لأغراض متعددة منها ما له علاقة بالتجارة، وتحويلات المغتربين، ومنها ما له علاقة بمساعدات الاقرب، وكفالات الأيتام،
لكن تكمن الخطورة، في تدخل المستوى السياسي للسلطة في الاجراءات التي تتبعها المصارف تحت اشراف سلطة النقد وفق المعايير الدولية، وتوظيف هذه الاجراءات ضمن الخلاف السياسي الناشئ عن الانقسام، وتدخل الاجهزة الامنية في عمل الجهاز المصرفي والاجراءات التي يتبعها.
وقد سبق أن تم تداول أخبار حول وقف الحوالات المالية من غزة الى الضفة عقب أحداث الانقسام عام 2007، وتداول نفس الخبر حين فرضت السلطة العقوبات على غزة شهر مارس/أذار 2017 بذريعة محاربة تمويل الارهاب، كما أن المئات من المواطنين في الضفة الغربية تم استدعاؤهم من قبل الأجهزة الأمنية بحجة إرسالهم لحوالات مالية لذويهم في قطاع غزة، ولم تتوقف السلطة عند هذا الحد، بل وصل الأمر الى تجميد حسابات بنكية لافراد وجمعيات خيرية ومنظمات حقوق انسان، بالشكل الرسمي لم نستدل على أية تعليمات مكتوبة صادرة عن سلطة النقد الى المصارف العاملة في فلسطين تدعوها الى وقف التعامل بالحوالات المالية بين غزة والضفة، ولكن بالشكل الفعلي يواجه المواطنون صعوبات بالغة، واجراءات معقدة عند تحويل اية مبلغ من الضفة الى غزة وبالعكس، مهما كان المبلغ صغير والذي يصل في بعض الاحيان الى مبلغ مائة دولار كمساعدة من أخ لاخيه في هذه الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها قطاع غزة، وهذا ما قرأناه في العديد من المنشورات على مواقع التواصل لاشخاص تم منعهم من ارسال حوالات الى غزة حتى لو كانت لاقارب من الدرجة الاولى كمساعدة، وهذا يدل على أن هذه الاجراءات لا تأتي في سياقها الرسمي والعام ، ولا في سياق الاجراءات المنظمة لعمل المصارف وفق ارشادات وتعليمات سلطة النقد، أو وفقاً للمعايير الدولية، وانما بكل تأكيد في اطار العقوبات المفروضة على غزة، بذريعة تقويض حكم حركة حماس وتجفيف مصادر تمويلها.
هذه الاجراءات ليس من شانها المساس بمصادر تمويل حركة حماس، بقدر ما تمس الحياة العامة، وتؤثر على النمو الاقتصادي، وهذا ما توصلت له دراسة أعدها معهد ماس عام 2015، بحثت اثر التحويلات المالية على المتغيرات الرئيسية للاقتصاد الفلسطيني، حيث أن زيادة التحويلات بنسبة 1%، تؤدي الى زيادة في الناتج المحلي الاجمالي بنسبة 0.3%،
فالتحويـات المالية مصدر مهم للاقتصـاد الفلسـطيين، فهـي تدعـم احتياطـي النقـد الأجنبـي؛ كمـا تسـهم ً في إعالــة أســر العاملـيـن في الخــارج وتشكل شبكة أمان اجتماعية لهم ممــا ينعكــس ايجاباً على مستوى معيشتهم، كونها ترسل لهم لمواجهة الازمات وتأمين احتياجاتهم الاساسية كالتعليم والسكن والعلاج والغذاء وغيرها، وتسهم في تنشيط القطاعات التجارية والحد من مشكلتي الفقر والبطالة، فضلا عن مساهمتها في زيادة الاستثمار، ودعم السيولة في القطاع المصرفي، ودعم الطلب الكلي في الاقتصاد الفلسطيني