أوراق إسرائيلية..
بومبيو جلب معه الكثير من الهدايا في جولته الوداعية إلى إسرائيل.. ولكن
بقلم: رفائيل أهرين
بومبيو جلب معه الكثير من الهدايا في جولته الوداعية إلى إسرائيل.. ولكن
جاء عيد “الحانوكاه” مبكرا هذا العام؛ فقد وصل وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، البلاد، الأربعاء الماضي، وجلب معه حقيبة مليئة بالهدايا لحكومة رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو.
من الواضح أن بومبيو، وهو إنجيلي متدين، أحد أكبر المؤيدين المتفانين لإسرائيل في الذاكرة الحديثة، وسيستمر الكثيرون في المجتمع المؤيد لإسرائيل في الاعتزاز به لفترة طويلة. لكن من غير المرجح أن يكون لمبادرات حسن النية التي قام بها، الخميس الماضي، تأثير دائم على العالم الحقيقي.
يتكهن بعض المراقبين أن بومبيو وصل إلى إسرائيل من أجل التحضير لخوض انتخابات رئاسية محتملة في العام 2024. دونالد ترامب ونيكي هايلي – وهما مرشحان محتملان آخران – كلاهما من النجوم البارزين في المجتمع المؤيد لإسرائيل، لذلك سيحتاج بومبيو للعمل بجد للتفوق عليهما من حيث دعم الدولة اليهودية.
في يوم قصير واحد فقط، أثبت بومبيو خطأ أولئك الذين اعتقدوا أن الإدارة الأميركية الحالية أعطت الدولة اليهودية كل ما تتمناه بالفعل.
في عهد ترامب، نقلت الولايات المتحدة سفارتها إلى القدس، وانسحبت من الاتفاق النووي مع إيران، وفرضت عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية، واعترفت بالسيادة الإسرائيلية على الجولان، وأعلنت أن المستوطنات قانونية، وأيدت، من حيث المبدأ، ضم إسرائيل لأجزاء من الضفة الغربية، وتوسطت في اتفاقيات تطبيع مع ثلاث دول عربية.
باستثناء نقل السفارة إلى القدس، كان بومبيو منخرطا بعمق في كل هذه التحركات الدراماتيكية. ويوم الخميس، أظهر أنه لم ينته بعد.
بدأ ذلك في حوالى الساعة 10:30 صباحا، عندما أعلن خلال اجتماع مع نتنياهو أن وزارة الخارجية ستعتبر من الآن فصاعدا حركة المقاطعة المناهضة لإسرائيل (بي دي أس) حركة معادية للسامية، وستبدأ على الفور في اتخاذ إجراءات صارمة ضد أنشطتها، بما في ذلك عن طريق سحب التمويل الحكومي للجماعات التابعة لحركة الـ "بي دي أس".
أشاد نتنياهو بالخطوة ووصفها بأنها “رائعة حقا”، لكن من غير الواضح ما الذي ستغيره بالفعل على الأرض.
لا تتمتع الـ "بي دي أس" بقوة كبيرة في الولايات المتحدة، ولا تتلقى حاليا أي تمويل من أموال دافعي الضرائب يمكن للإدارة تجميدها. مثل “أنتيفا”، الحركة اليسارية التي هدد ترامب بوضعها على القائمة السوداء، فإن الـ "بي دي أس" ليست منظمة مركزية يمكن حظرها، ولكنها بالأحرى ظاهرة عالمية سيستمر مؤيدوها في النشاط بصرف النظر عن التصنيفات الحكومية.
بعد ساعات قليلة، صنع بومبيو التاريخ عندما أصبح أول وزير خارجية أميركي يزور مستوطنة في الضفة الغربية.
تناول الوزير وزوجته الغداء في مصنع النبيذ “بساغوت”، المعروف بحملته (التي لم تحقق نجاحا كبيرا حتى الآن) ضد جهود الاتحاد الأوروبي وآخرين لوضع علامات على سلع مستوطنات الضفة الغربية تشير إلى أنها صُنعت هناك.
كما أطلق المصنع على أحد أنواع النبيذ الذي ينتجه اسم بومبيو تكريما لـ”عقيدته” القائلة إن المستوطنات ليست بالضرورة غير قانونية بموجب القانون الدولي.
وُصفت الرحلة بأنها “خاصة”، ولم تصدر وزارة الخارجية الأميركية أي بيان، على الرغم من أن الوزير نشر صورا من بساغوت على حسابه الرسمي على “تويتر”.
أثارت زيارة بومبيو غير المسبوقة الكثير من المشاعر: احتفل مؤيدو الاستيطان بالنصر، بينما اتهمه مسؤولون في رام الله ونشطاء مؤيدون للفلسطينيين في جميع أنحاء العالم بدعمه لسرقة الأراضي.
كتب بومبيو في سجل الزوار الخاص بمصنع النبيذ “وجودي في يهودا والسامرة نعمة”، مستخدما الاسم التوراتي للضفة الغربية، مضيفا: “أرجو ألا أكون آخر وزير خارجية يزور هذه الأرض الجميلة”، مفترضا ابتعاد الإدارة الأميركية المقبلة عن الزيارات الودية للمستوطنات.
خلال زيارته إلى بساغوت، القريبة من رام الله، أعلن بومبيو عن تغيير دراماتيكي آخر في السياسة الأميركية، وقال إن جميع سلع المستوطنات المستوردة إلى الولايات المتحدة ستوضع عليها علامة “منتج من إسرائيل” أو “صُنع في إسرائيل”.
وقال في بيان يذكرنا بإدانات المسؤولين الإسرائيليين الصاخبة لـسياسة وضع العلامات في الاتحاد الأوروبي على منتجات المستوطنات: “سنواصل معارضة تلك الدول والمؤسسات الدولية التي تزيل شرعية إسرائيل والمنتجين الإسرائيليين في الضفة الغربية أو تعاقبهم من خلال إجراءات مغرضة لا تعترف بالواقع على الأرض”.
قد يكون لزيارته في بساغوت وإعلانه بشأن سياسة وضع العلامات على المنتجات قيمة رمزية كبيرة، ولكن مرة أخرى، من المرجح أن يكون لها تأثير ملموس ضئيل.
لن يغير قراره رأي الأوروبيين، والولايات المتحدة لا تفرض حاليا نظاما خاصا لوضع العلامات على المنتجات من المستوطنات على أي حال.
القيمة الدائمة لما تسمى ”عقيدة بومبيو” حول شرعية المستوطنات قد تكون موضع تساؤل.
لم تتغير معارضة المجتمع الدولي للوجود الإسرائيلي الدائم في الضفة الغربية، كما أكد، هذا الأسبوع، الفيض من الإدانات الدولية لخطط الحكومة توسيع حي غفعات هماتوس في القدس الشرقية.
من السابق لأوانه القول إذا ما كان الرئيس الأميركي المنتخب، جو بايدن، سوف يسارع إلى العودة رسميا إلى موقف أميركا الذي سبق عهد ترامب بشأن المستوطنات. نظرا لأن إدارته ستنشغل بالوباء والأزمة الاقتصادية الكبرى، فإن إعادة العمل بـ”مذكرة هانسيل” التي تم وضعها في العام 1978 – واعتبرت أن المستوطنات “تتعارض مع القانون الدولي” – قد لا تتصدر على الفور جدول أعمالها القادم.
لكن بايدن كان منذ عقود معارضا صريحا للتوسع الاستيطاني، ومن المرجح أن يجعل وجهات نظره بشأن هذه المسألة معروفة بدرجة كافية بعد يوم التنصيب.
الخاتمة الكبيرة لجولة بومبيو الوداعية كانت الزيارة إلى جبل بنتال في الجولان – الزيارة الاولى لوزير خارجية أميركي إلى المنطقة الاستراتيجية، التي تطالب بها سورية، منذ اعتراف واشنطن بالسيادة الإسرائيلية عليها في العام الماضي (ولكنها ليست أول زيارة لوزير خارجية أميركي في منصبه).
صرح بومبيو خلال الزيارة: “لا يمكنك القوف هنا والتحديق في ما هو عبر الحدود وإنكار الأمر المركزي الذي أدركه الرئيس ترامب ورفض الرؤساء السابقون إدراكه. لكن هذا جزء من إسرائيل وجزء مركزي من إسرائيل”.
كان هذا تصريحا قويا ومؤيدا لقرار ترامب الذي اتخذه في العام 2019، ولكن مرة أخرى، ستكون له انعكاسات ضئيلة على أرض الواقع.
لا تزال واشنطن العاصمة الوحيدة في العالم، باستثناء القدس، التي تعترف بمطالبة إسرائيل في الجولان، وزيارة سريعة لدبلوماسي مؤيد ولكنه في فترة “البطة العرجاء” لن تغير ذلك.
من غير المتوقع أن يلغي بايدن اعتراف سلفه بالسيادة الإسرائيلية على الجولان، ولكن من غير المرجح أن يثني عليها كثيرا أيضا. رئيسه السابق، باراك أوباما، ضحك ساخرا من نتنياهو في المكتب البيضاوي بعد أن طلب الأخير من البيت الأبيض الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان، بحسب مصدر مطلع على الواقعة.
وبالتالي، قد يكون بومبيو أيضا آخر وزير خارجية يزور الضفة الغربية والجولان، على الأقل في المستقبل المنظور. لكن صورته كبطل إسرائيل الذي لا يعرف الخوف، والتي عززها بمهارة، الخميس الماضي، لن تضر بالتأكيد بفرصه في الحصول على ترشيح الحزب الجمهوري في السباق الرئاسي للعام 2024، إذا اختار دخوله.
عن "تايمز أوف إسرائيل"