أوراق إسرائيلية..
"روح الجنوب": إسرائيل تستعدّ لحسم المعركة مع غزة بسرعة وفاعلية
بقلم: جوداه آري غروس
"روح الجنوب": إسرائيل تستعدّ لحسم المعركة مع غزة بسرعة وفاعلية
متابعات: قطاع غزة، برميل بارود هادئ نسبياً في الوقت الحالي بانتظار أن ينفجر، تحكمه مجموعة استبدادية، يعاني من اقتصاد فقير بشكل لا يصدق، وإمكانية وصول محدودة للكهرباء، وتقريباً لا توجد فيه مصادر مياه صالحة للشرب، وقد بدأ الآن فقط في معالجة مياه الصرف الصحي، وهو يكافح لاحتواء تفشي فيروس كورونا، الذي تعتقد إسرائيل أنه أسوأ مما تشير إليه الحصيلة الرسمية السيئة أصلاً، ولا يبدو أن هذا الوضع سيتحسن في أي وقت قريب.
في حين أن التهديدات من «حزب الله» في لبنان ووكلاء إيران في سورية تعتبر أكثر أهمية من حيث الضرر المحتمل لإسرائيل، إلا أن الجيش الإسرائيلي يرى أن احتمال الصراع مع الفصائل المسلحة في غزة أكبر بكثير.
لهذا الغرض، يخصص الجزء الأكبر من وقت قيادة المنطقة الجنوبية في الجيش الإسرائيلي للتحضير للحرب القادمة في ظل نهج قتالي محدث يُدعى «رواح داروم» (روح الجنوب)، يهدف إلى إنهاء الصراع بسرعة وفاعلية أكبر من الإستراتيجيات السابقة، بالاعتماد على وابل كثيف للتدمير السريع لقدرات العدو وتحسين استخدام المعلومات الاستخباراتية.
بالإضافة إلى هذه الاستعدادات، أوشكت إسرائيل على الانتهاء من بناء حاجز إسمنتي تحت الأرض مجهز بأجهزة استشعار حول قطاع غزة لاكتشاف الأنفاق من القطاع، وهي خطوة من المتوقع أن تمنع «حماس» من امتلاك سلاح قوي في أي حرب مستقبلية.
دفاع متعدد المستويات
في الشهر الماضي، كشف الجيش الإسرائيلي عن نفق هجومي تابع لحركة «حماس» باستخدام نظام الكشف الجديد الخاص به، والذي من المقرر أن يتم بناؤه بالكامل في آذار 2021. وفقاً للجيش، فإن النفق الذي يبلغ طوله كيلومترين هو الأعمق الذي حفرته الحركة على الإطلاق، عشرات الأمتار تحت الأرض. وامتد النفق من مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة من تحت الحدود إلى منطقة داخل الأراضي الإسرائيلية تقع على الجانب الغزي من الجدار الفاصل تحت الأرض.
بالنسبة للجيش الإسرائيلي، الواثق من قدرته الجديدة في اختراق الأنفاق، فإن هذا ليس مصدر قلق كبير. في الواقع، يرى الجيش أن جهود «حماس» في حفر الأنفاق لا تؤدي إلا إلى استنزاف موارد الحركة لأنها تحفر أعمق وأعمق في الأرض فيما يُتوقع أن يكون مسعى غير مثمر.
يقوم الجيش أيضاً بتطوير نظام دفاعي جديد متعدد المستويات حول قطاع غزة، يُطلق عليه اسم «الحدود الذكية والقاتلة»، والذي يعتمد على رادار متقدم وأجهزة استشعار بصرية لاكتشاف المتسللين، وعلى المركبات المسلحة التي يتم التحكم بها عن بعد والطائرات المسيّرة لفحص الحدود المشتبه بها وكذلك الحواجز الفعلية. يسمح استخدام هذه الأنظمة غير المأهولة للجيش بتقليص عدد القوات المطلوبة والحفاظ على هؤلاء الجنود بعيداً عن الأذى، ونشرهم فقط لمهام أكثر تعقيداً تتطلب لمسة بشرية.
يجري حالياً اختبار هذا المشروع على امتداد ستة كيلومترات من الحدود الشمالية لغزة. من المقرر أن يكتمل البرنامج التجريبي في الأشهر القليلة المقبلة، بعد ذلك سيتم توسيعه ليشمل كامل الحدود البالغ طولها 51 كيلومتراً.
بالإضافة إلى هذه الجهود، يسعى الجيش الإسرائيلي إلى تدمير الأسلحة والبنية التحتية العسكرية للفصائل المسلحة في القطاع بشكل استباقي، لمنعها من الشعور بالثقة الكافية في قدرتها على شن حرب ضد إسرائيل.
وعلى الرغم من أن الجيش يعتقد أنه سيحقق نتائج جيدة في حرب ضد «حماس»، إلا أن المعركة المستقبلية ليست مصممة حالياً لتغيير الوضع في قطاع غزة بشكل جذري. لا تزال إسرائيل تفضل أن تكون «حماس»، الملتزمة رسمياً بتدمير الدولة اليهودية، مسؤولة عن القطاع بسبب احتمال حدوث فوضى وتعقيدات بالقطاع في حالة الإطاحة بالحركة بشكل كامل.
اضطرابات ومشاكل
يريد الجيش الإسرائيلي أيضاً إبقاء هذه الصراعات الصغيرة عند الحد الأدنى، ومنعها من التحول إلى ما يشبه جولات القتال التي خاضها في غزة على مدار العامين ونصف العام الماضية.
ترى قيادة المنطقة الجنوبية في الجيش الإسرائيلي أن جولات القتال هذه، في 2018 و2019 والعام 2020، كانت فاشلة في نهاية المطاف، وعادة ما بدأ تبادل إطلاق النار فيها في أعقاب شكل من أشكال الحوادث العنيفة على الحدود، التي أدت إلى رد قوي من قبل الجيش الإسرائيلي، ما أدى إلى إطلاق الصواريخ من غزة، ما أدى بدوره إلى رد الجيش الإسرائيلي، وما إلى ذلك. بعد يوم أو يومين، يتم الإعلان عن وقف إطلاق النار بشكل غير رسمي.
خاضت إسرائيل والفصائل الفلسطينية في القطاع ما يقرب من 12 من هذه الجولات من منتصف 2018 وحتى اليوم، كان آخرها في شباط. في كل من هذه الجولات، تم إطلاق عشرات أو مئات الصواريخ وقذائف الهاون على المدن والبلدات الإسرائيلية، ورد الجيش الإسرائيلي بعشرات الغارات الجوية.
بالنسبة للجيش الإسرائيلي، كما علمت «تايمز أوف إسرائيل»، فإن جولات القتال تلك كانت بلا جدوى بشكل أساسي، باستثناء واحدة في تشرين الثاني الماضي، أطلِق عليها اسم عملية «الحزام الأسود»، والتي بدأت بمقتل القيادي البارز في حركة «الجهاد الإسلامي»، بهاء أبو العطا، وأدت إلى حملة واسعة ضد التنظيم المدعوم من إيران، حيث يعتقد الجيش أنها ردعته عن تنفيذ الهجمات التي كان ينفذها حتى ذلك الحين. كمثال على ذلك: على الرغم من الضغط الداخلي لإحياء الذكرى الأولى لاغتيال أبو العطا بهجوم على إسرائيل، فإن هجوماً كهذا لم يحدث.
وباستثناء تلك الحملة العسكرية، فإنه لا يُنظر إلى الجولات العشر الأخرى من القتال بأنها ساعدت بالدفع بهدف إسرائيل بشكل كبير. هذه الجولات كانت مكلفة من الناحية المادية بسبب العدد الكبير من الصواريخ الاعتراضية التي تم إطلاقها من منظومة «القبة الحديدية» لإسقاط الصواريخ القادمة من غزة؛ والكميات الكبيرة من الذخائر المستخدمة ضد أهداف يمكن إعادة بنائها بسهولة؛ والعدد الكبير من اعتراضات «القبة الحديدية» – 245 في 2018، و481 في 2019، و82 حتى الآن في 2020 – أعطى أيضاً معلومات استخباراتية مهمة لحركة «حماس» و»الجهاد الإسلامي»، ومن خلالهما إلى طهران.
من خلال مراجعة أداء «القبة الحديدية» خلال هذه المعارك، يمكن للفصائل الفلسطينية تحديد نقاط الضعف في النظام التي يمكن استغلالها في القتال بالمستقبل.
ليس من الواضح على الفور كيف يخطط الجيش الإسرائيلي للتصرف بشكل مختلف في ضوء هذا الاستنتاج، فعلى الرغم من أنه يمكن العثور على مؤشر في أحداث آب الماضي، رغم التوترات المتزايدة والعنف على طول الحدود، وكذلك إطلاق الصواريخ على جنوب إسرائيل، لم تكن هناك معركة مكثفة، وبدلاً من ذلك توصلت إسرائيل و»حماس» إلى هدنة مستمرة – بشكل أو بآخر – حتى الآن.
هذا الهدوء عكر صفوه، الأسبوع الماضي، صاروخان تم إطلاقهما على وسط إسرائيل. سارعت «حماس» إلى توجيه رسالة إلى إسرائيل مفادها أن الصاروخين لم يتم إطلاقهما عن عمد، ولكن نتيجة لخلل تفني نجم عن صاعقة برق. بما أن الجيش الإسرائيلي لم ير مؤشرات تدل على أن «حماس» كانت تبحث عن القتال، وفي ضوء الساعة الغريبة للهجوم – بعيد الساعة 2 فجراً – فقد قبل الجيش عموماً هذا التفسير، على الرغم من استمراره في مراقبة الوضع لمعرفة ما إذا كان تم إطلاق الصاروخين عمداً في الواقع.
وقف نار طويل الأمد يبدو مستبعداً
على الرغم من أن المفاوضات جارية للتوسط في وقف إطلاق نار شامل وطويل الأمد مع «حماس»، يعتقد الجيش أن هذه المحادثات – مثل تلك التي سبقتها – ستصل في نهاية المطاف إلى طريق مسدود وتنهار، كما علمت «تايمز أوف إسرائيل». من غير المرجح أن تتخلى «حماس» عن أسلحتها وعما تسمى «المقاومة»، وهو سبب وجودها. والقدس ليست مستعدة لتقديم تنازلات كبيرة حتى يحدث ذلك، معتقدة – بشكل مبرر – أن «حماس» ستستغل أي تخفيف كبير للحصار على غزة لتوسيع حربها ضد إسرائيل.
وبالمثل، ليس لدى الجيش توقعات كبيرة بشأن التوصل إلى اتفاق لتأمين الإفراج عن رفات جنديين إسرائيليين ومدنيين إسرائيليين على قيد الحياة تحتجزهم «حماس» حالياً في غزة، حيث من غير المرجح أن تفعل الحركة ذلك دون موافقة إسرائيل على تحرير نشطائها، وهو أمر من غير المرجح أن تفعله القدس.
مع وجود أمل ضئيل في حدوث تغيير كبير في الديناميكية في غزة، يعمل الجيش الإسرائيلي ومنسق الأنشطة الحكومية في «المناطق» بوزارة الدفاع على تحسين الأوضاع في القطاع، إلى حد ما، معتبرين ذلك وسيلة للحفاظ على الوضع هادئاً.
ويشمل ذلك تشجيع قطر على الاستمرار في إرسال مساعدات اقتصادية إلى قطاع غزة، وحث المنظمات الدولية الأخرى على تقديم مساعدات إنسانية للقطاع المحاصر.
في الأيام الأخيرة، شهد القطاع ارتفاعاً كبيراً في حالات الإصابة بفيروس كورونا، حيث أظهر حوالى ربع الفحوصات التي أجريت نتائج إيجابية.
يعتقد الجيش الإسرائيلي أن الأرقام المعلنة أقل بكثير من الرقم الحقيقي، حيث إن السكان في غزة يخشون الخضوع للفحوصات. على الرغم من الجهود التي تبذلها «حماس» والمجتمع الدولي لإعداد غزة بشكل أفضل لمواجهة تفشي الوباء – من خلال مضاعفة عدد أجهزة التنفس تقريباً، وزيادة القدرة على إجراء فحوصات إلى 3000 فحص يومياً، وإضافة 500 سرير في المستشفيات – يمكن لنظام الرعاية الصحية في القطاع أن ينهار بسهولة، وهو وضع يحمل معه تداعيات كبيرة على الأمن القومي لإسرائيل.
عن «تايمز أوف إسرائيل»