والحديث هنا عن الانتخابات خاصة المحلية ومجالس طلبة الجامعات في غزة، أما الانتخابات العامة والرئاسية فموقف الرئيس عباس وفتح لا يحتاج مزيدا من التوضيح والنقد فهي الطامة الكبرى التي انفرد بها الرئيس ووافقته فتح في إلغاء الانتخابات بعد تقديم القوائم الانتخابية، وفي نيسان/ ابريل من هذا العام 2021 وقبل موعد الأنتخابات في 22 أيار مايو 2021.
يحار المرء وتتوارد الأسئلة عن حالنا وتفكيرنا "السياسي" البعيد عن السياسة، فهو فكر سياسي تلطيش هذي صابت وهذي ما صابت، تفكير فصائلنا وخاصة فتح وحماس عجيب الأمر ، يهبطون بالخصومة السياسية بانتقامهم من المجتمع كله، ليوصلوا حالة التردي بشعبنا إلى الحضيض، دون حكمة، وكأنهم غرقى، في الوقت الذي يدعون فيه التماسك والقوة وريادة العالم كله في العمل السياسي، وما انفكت حماس تحرم الشباب الجامعي من حقه الديمقراطي في انتخاب مجالس الطلبة في غزة، بنفس نمط تصرف رام الله حين تلغي انتخابات تشريعية ورئاسية هي من حق شعبنا فيحرمه منها.
أمرهما عجيب، ويدعي كل منهما بأنه لا يخشى الديمقراطية، ولكن الحقيقة أن النظام المستتب سياسيا لا يخشى الانتخابات من أي نوع.
الأدهى من الحزبين فتح وحماس هي الأحزاب الأخرى التي لا تستطيع أن تمنعهم من صلفهم وضرب الحائط بحق الأجيال في ممارسة الديمقراطية.
مثلما يقطع الرئيس رواتب الناس دون وجه حق ويعاقب مجتمع غزة بأكمله، تماماً كما تفعل حماس بمنع انتخابات الجامعات والاستيلاء على الوظائف .. لا أدري لماذا يقحمون قضايا أخرى تنتهك حق وكرامة الشعب في خلافهم وصراعهم على السلطة.
هل ترون أعجب من هكذا سلوك لسياسيي العصر الحجري في فلسطين؟ ... شوفوا يا ناس وتعجبوا :
* شوفوا كم مرة وكام سنة تؤجل كل انتخابات للتشريعي ومجالس الطلبة والبلديات في بلدنا حسب مزاج الحكام، وهل هناك أحد غيرنا في العالم لا يحترم الحكام حق شعبهم.
*كل الفصائل تريد وتشارك في الانتخابات العامة في الضفة الغربية وفي غزة ولا تجبر الرئيس على إجراء هذه الانتخابات .. كيف؟
*حماس تشارك انتخابات الطلبة في جامعات الضفة علناً وتمنع اقامة انتخابات الطلبة في جامعات غزة .. كيف؟
*حماس تشارك في انتخابات البلديات في الضفة الغربية بممارسة حق الإنتخاب وتعطي أصواتها لمن تريد .. ولا تسمح باجراء الانتخابات ببلديات قطاع غزة .. كيف؟
*كل الفصائل تشارك في الانتخابات المحلية في الضفة الغربية ولا تجبر حماس على إجراء انتخابات البلديات في قطاع غزة .. كيف؟
*كل الفصائل تشارك في انتخابات مجالس الطلبة في جامعات الضفة الغربية ولا تجبر حماس على إجراء انتخابات مجالس طلبة الجامعات في غزة .. كيف؟
*الفصائل تشارك في "غرفة مقاومة مشتركة" في غزة وتقرر الحرب والتهدئة وتسكت عن منع حماس انتخابات الطلبة في الجامعات وانتخابات مجلس البلديات في غزة .. كيف؟
ولكي لا تنتج سياسات منع الانتخابات الجامعية التي تمارسها حماس في قطاع غزة وإلغاء الانتخابات العامة من قبل الرئيس جيلاً أصماً وأبكماً ديمقراطياُ يرفض أي مشاركة في الرأي واحترام الرأي الآخر ودورية الانتخابات وكذلك تبادل السلطة عندما يصبح في موقع القرار، ولا ندري ما سينتج عن ذلك في المستقبل من نماذج حزبية حيث كما رأينا حين مارست فتح نصف ديمقراطية أنتجت حماس، فما بالكم، وحماس مارست صفر ديمقراطية، فماذا سينبلج عن ذلك من نماذج أكثر صلفية وقريبة من العصور الوسطى .
أهم المضاعفات السلبية للتجربة الديمقراطية على أحزاب وسياسيي المستتقبل وما رأيناه هي ترجمة سلوكيات فتح وحماس والرئيس إلى ممارسات في الواقع المعاش لاحقاً من خلال الإسقاطات التي مورست عليها سابقا، فتقلدها، أو، تكون أسوأ منها، وأولها مؤثرات البيئة التربوية والتعليمية في إطار الجامعات كمؤسسة مسؤولة بالدرجة الأولى عن بناء وترسيخ قيم ومفاهيم الديمقراطية، فتعويد الطلبة على حرية التعبير وإبداء الرأي والنقد البناء والتعامل على أساس الحرية والمساواة والعدل والحق والواجب، واحترام الخصومة السياسية بعيدا عن تلويث المجتمع بمفاسدها و الزج به في تلك الخصومات ومضاعفاتها، وهي عملية تدريب لهم على أهمية ممارستهم للقيم الديمقراطية في الحياة المجتمعية العامة، أو، إفسادها ومصادرة حقوق هذا المجتمع كما هو حادث الآن.
الحياة الجامعية بكل مقوماتها هي ميدان تدريب الطلبة الأول لمهنهم القادمة، ولممارسة الديمقراطية وتطوير شخصياتهم المستقبلية كي يكونوا قادرين على احترام الحق والواجب في ميادين الحياة المختلفة، ودون انحدار للأنانية والديكتاتورية وإلغاء الآخر ومنع دورية الانتخابات، وكأنها بيارة للحزب الحاكم .