أحيانا يتدخل "القدر الزمني" في مسار بعض أحداث ذات دلالة سياسية، دون تخطيط مسبق، تكتسب قيمتها بما يدور حولها، خاصة ما يرتبط بالصراع المركزي في المنطقة والبعد الإقليمي وما له تأثير على المشهد العالمي.
وسط "فرح هستيري" لحكومة الفاشية اليهودية ورئيسها نتنياهو، بما فعلت من جرائم حرب في لبنان مضافة لسجلها في لبنان، عبر استخدام جيل جديد من حرب الدمار الشامل التقنية، اقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرار يوم 18 سبتمبر 2024، يطالب بأن تنهي إسرائيل، "وجودها غير القانوني في الأرض الفلسطينية المحتلة" خلال 12 شهرا، بناء على فتوى طلبتها الجمعية العامة من محكمة العدل الدولية بشأن الآثار القانونية لسياسات إسرائيل وممارستها في فلسطين.
قيمة القرار الأممي الجديد، كونه الأول الذي يتم تقديمه باسم دولة فلسطين مباشرة دون "محلل" كما كان سابقا، بعدما تعززت مكانتها خطوة كبيرة نحو العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، قرار جاء بأغلبية واسعة رغم الحملة الأمريكية الترهيبية، وما حاولت دولة الكيان الفاشي القيام به، لتكون نتيجة التصويت صفعة ذات دلالة بأن "العالم يقف في طرف وأمريكا والكيان" في طرف آخر، بمن فيهم الممتنعين عن التصويت خاصة دول أوربية، فهي أقرب لفلسطين منها للكيان الشاذ.
القرار الأممي يفتح الباب واسعا لضغط مضاف، ليس فقط لتحسين مكانة دولة فلسطين في الجمعية العامة، ولكن أن يكون العمل المتوازي نحو طرد الكيان المعادي من عضوية المنظمة العالمية، أو تعليقها إلى حين الالتزام الكامل بكل قرارات الشرعية الدولية الخاصة بفلسطين بمختلف جوانبها.
الاستمرار نحو انتزاع قرارات جديدة حول عمليات التهويد والاستيطان، في ظل بناء دولة العدو نظام فصل عنصري كامل في الضفة والقدس، مترافق بضم أرض فلسطينية إلى دولة الكيان، لتغيير واقع جغرافي عما هي حدود دولة فلسطين المقرة بقرار 19/67 عام 2012، وقرار الجنائية الدولية حول دولة فلسطين وحدودها، والتذكير مجددا بما كان قرارا أمميا حول اعتبار "الصهيونية حركة عنصرية" وفقا لتلك التطورات.
العمل على صدور قرارات عقابية ضد دولة الاحتلال بعدما صدر منها ضد وكالة الأونروا باعتبارها "إرهابية"، وما يتعلق بالمنظمة الدولية وأمينها الأمين العام، والتفكير نحو تطبيق القسم الخاص بالعمل غير العسكري بالمادة ج 41 في البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة، من تدابير لا تنطوي على استعمال القوة المسلحة، التي في ميسور مجلس الأمن أن يتخذها إنفاذاً لمقرراته، تلك التي تعرف بالجزاءات تفرض على دول أو جماعات أو أفراد، وتشمل تدابير اقتصادية وتجارية شاملة، وحظر توريد أسلحة، أو حظر السفر، أو القيود المالية أو الدبلوماسية.
كما تشمل المادة ج 41 تدابير مثل إنشاء محاكم دولية (مثل المحكمتين الخاصتين بيوغوسلافيا السابقة ورواندا المنشأتين في عامي 1993 و1994) أو إنشاء صندوق للتعويض عن الأضرار الناتجة عن الغزو.
بالتأكيد، سيكون البعض مترددا الذهاب نحو تلك الخطوة الأهم في سياق الردع، ولكن على فلسطين القيام بذلك، وعرضه للنقاش العلني وليس الاكتفاء بالحديث الخاص، في ظل وجود لجنة التحرك العربية الإسلامية، واللجوء إلى سلاح "الإجراءات" غير المسلحة من ميثاق البند السابع للأمم المتحدة، إذا كان حقا يراد معاقبة دولة العدو وفقا لعناصر لا يمكن اعتبارها مكلفة.
لعل الصدفة الزمنية أن يكون خطاب ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، حيث أعلن بلغة هي الأوضح حول موقف المملكة القطعي، بان لا تطبيع مع دولة الكيان دون قيام دولة فلسطين، موقف يمثل صفعة مدوية للإدارة الأمريكية ووزيرها اليهودي المتصهين بلينكن ومستشار الأمن القومي سوليفان، اللذين اشاعوا بشكل مضلل بأن "التطبيع بات وشيكا"، مقابل إجراءات مختلفة.
الموقف السعودي المستحدث، يمكن البناء عليه لدعم الاستفادة من الفقرة ج - من المادة 41 في البند السابع، ولتكن البداية الاتفاق على حظر استخدام المجال الجوي العربي لكل طائرات دولة الكيان، والعمل على تنفيذ قرارات الوزاري العربي الأخيرة سبتمبر 2024، ومنها، إدراج قائمة المنظمات والمجموعات الإسرائيلية المتطرفة، التي تقتحم المسجد الأقصى المبارك والمرتبطة بالاستيطان الاستعماري الإسرائيلي، على قوائم الإرهاب الوطنية العربية، والإعلان عن قائمة العار للشخصيات الإسرائيلية التي تبث خطاب الإبادة الجماعية والتحريض ضد الشعب الفلسطيني، تمهيداً لاتخاذ الإجراءات القانونية ضدها، واتخاذ الإجراءات اللازمة لمقاطعة جميع الشركات العاملة في المستوطنات في أرض دولة فلسطين.
وكي تنتهي مرحلة "الثرثرة التهديدية"، يجب العمل على تشكيل قوة دفع حقيقية لردع العدو، والانتقال نحو مرحلة جديدة في المواجهة ومحاصرة دولة الفاشية اليهودية، بعد قرار الجمعية العامة حول ضرورة انهاء الاحتلال.