استطاعت إسرائيل أن تتهرب من الدخول في مفاوضات حقيقية على مدى أكثر من سنة تقريباً، وكانت إسرائيل تتذرع كل مرة بحجة جديدة، وتطرح شروطاً جديدةً ومطالب تعجيزية، وإذا شعرت أنها فقدت كل ذلك، كانت ترتكب مذبحة أخرى، وعلى مدى أكثر من سنة استطاعت إسرائيل أن تبتز الوسطاء وتتفادى الضغوط وتمتص الانتقادات من كل الأطراف.
أرادت إسرائيل فعلياً أن تقلل من أهمية الأسرى الإسرائيليين وتركت المجال واسعاً ليقال إنهم جزء من ضحايا الحرب، وأن التفاوض من أجلهم إضعاف لإسرائيل، وكسر للمعادلة الجهنمية المتمثلة في إجراء التفاوض تحت النار، وقد استطاعت إسرائيل حتى هذه اللحظة أن تصمد أمام كل الضغوط من جهة، وأن تثبت بشكل أو بآخر أن معادلاتها الجهنمية كانت صحيحة، ولو بشكل جزئي.
أرادت إسرائيل من المفاوضات أن تكون حجة لاستمرار الحرب وامتصاص الضغوط، وإقناع الأطراف أنها تسعى من أجل اطلاق سراح الأسرى، ولكنها من الجهة الأخرى جعلت من هذه المفاوضات غطاءً لاستمرار الحرب والقتل والتدمير.
الآن، وبعد سنة وأكثر، يعود الكلام عن جولة مفاوضات في العاصمة القطرية، بمشاركة إسرائيلية وأمريكية ومصرية وقطرية، ويشاع إسرائيلياً وأمريكياً على الأقل أن هناك ما يمكن الحديث بشأنه، وخصوصاً بعد استشهاد السنوار، وكأن السنوار كان هو العقبة أمام الاتفاق، وقد ساهم وزير الخارجية الأمريكية الفاشل أنتوني بلينكن بهذه الأكذوبة ، فالكل يعرف بمن فيهم ذوو الأسرى الإسرائيليين أن نتنياهو هو من كان يتهرب، ويمنع التوصل إلى اتفاق بشأن الأسرى.
ورغم ذلك، فإن جولة المفاوضات الجديدة في الدوحة إن انعقدت وتواصلت، لن تأت بجديد أيضاً ذلك أن إسرائيل تعتقد وتتصرف على أنها منتصرة تفرض الشروط، ولا تتشارك مع أعدائها للوصول إلى تسوية، كما أن إسرائيل لن تهدي الإدارة الأميركية الحالية أية هدية مجانية على الإطلاق ، خصوصاً أن إسرائيل خضعت لأول مرة لاشتراطات هذه الإدارة في توجيه ضربة جوية لإيران، ولا أعتقد أن نتنياهو سيهدي هذه الإدارة هدية أخرى تصب في مصلحة كامالا هاريس، كما أن إسرائيل تعتقد أن أسلوبها في التعامل مع حركة حماس قد نجح بشكل باهر، ولذا لن تنقذ حماس من خلال أية صفقة، فضلاً عن معارضة أطراف متطرفة في الحكومة للتوصل إلى تسوية ، وأخيراً فإن الإدارة الأمريكية لا تغامر بفرض عقوبات أو التلويح بتهديدات على إسرائيل قبل عشرة أيام من الانتخابات غير المضمونة في الولايات المتحدة، فهي ادارة مغادرة وليست مقبلة على أي حال، ولهذا فإن إسرائيل لن تستعجل التوصل إلى تسوية هي أصلاً لا تريدها.
فلماذا إذن هناك جولة مفاوضات تعقد في الدوحة؟! برأيي أن ذلك له أسباب انتخابية أمريكية بالدرجة الأولى، كما أن ذلك جسّ لنبض حماس وإمكانية نزولها عن الشجرة بعد استشهاد قائدها، وهي أيضاَ لممارسة الضغوط على الوسطاء والعرب وابتزازهم والطلب منهم القيام بأدوار صعبة وربما تكون غير مقبولة، كما أن هذه الجولة الجديدة هي محاولة إسرائيلية وأمريكية لترجمة ما سمته أمريكا نصراً عسكرياً إلى تسويات سياسية.
هي إذن جولة جديدة للاستعراض، وشراء الوقت مرة أخرى، وللضحك على ذقون ذوي الأسرى، ومحاولة لاختبار مواقف حماس الجديدة، ولتغيير أنواع الضغط العلني والخفي على الاطراف العربية بالذات، فضلاً عن رغبة الإدارة الأمريكية تسجيل مواقف انتخابية ليس إلا.