منذ أن أعلن ترامب عن مبادرته للسلام في الشرق الأوسط والتي تخص الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وإداته الإقليمية وبحضور نتنياهو وتحت مسمى "صفقة القرن" هكذا سماها الإعلام العربي وعُرفت به، كانت ردات الفعل الفلسطينية بكل أطيافها قبل وبعد إعلانها رافضة تلك الصفقة، ولكن عجز الفلسطينيون عن إيجاد برنامج مشترك بينهم لتتحول ردات الفعل إلى برنامج عملي وتنفيذي في مواجهة الأثار المترتبة على القرارات التي أتخذها ترامب ما قبل الصفقة وبالتأكيد أنها قرارات تصب في المفاصل الرئيسية للصفقة، حيث أصبحت واقعا على الأرض مثل قرار القدس عاصمة موحدة لإسرائيل وقرار وكالة الغوث وقطع المساعدات الأمريكية عنها وإغلاق مكتب منظمة التحرير في أمريكا هذا المكتب الذي تواجد بقرار من الخارجية الأمريكية بناء على تنازلات قدمتها منظمة التحرير وقطع المساعدات عن السلطة "باستثناء الدعم المالي واللوجستي للأجهزة الأمنية وبقاء التعاون الأمني وهذا ما اعترف به الرئيس عباس ومسؤولين إسرائيليين ومسؤولين في السلطة .
وبرغم الإعلان الإعلامي والشفوي وبعض المظاهرات الخجولة التي أنطلقت من دوار المنارة في رام الله ومحاذير وإجراءات لعدم وصولها لنقاط الاشتباك مع الحواجز الإسرائيلية ومحدودية المشاركين فيها ومظاهرات أيضا خرجت في غزة التي تحكمها الفصائل والتي دخلت في حلقات الترويض لمفهوم المقاومة وتحولها من شعاراتها الاستراتيجية في التحرير إلى مفهوم التهدئة تحت مبدأ (أن عدتم عدنا) والبحث عن سبل فك الحصار ومن خلال مشاريع مقترحة مثل مناطق صناعية في غزة ومستشفى أمريكا وميناء وعمال وعمالة غزية تعمل في إسرائيل كلها اجراءات تصب بشكل أو بأخر لرسم الخطوط الأمريكية لصفقة القرن على الواقع وتضاريسه السياسية والأمنية والاقتصادية.
الموقف العربي من الصفقة وبرغم الشعار الذي طرحه عباس على العرب والدول الأخرى للإفلات من الضغط الأمريكي ومقولة (نقبل ما يقبل به الفلسطينيون) كان الموقف بإستثاء الرفض الشفوي لمجلس الجامعة العربية والذي خلا من أي دعم حقيقي للسلطة أو الفلسطينيين تراوح الموقف العربي بين عدم تفويت الفرصة والتعامل مع المبادرة ونقاطها الإيجابية والتفاوض على نقاط الخلاف والبعض الأخر رأى من تهديدات نتنياهو بضم غور الأردن والغور الشمالي تهديد لأمنه القومي وكذلك الوصاية على المسجد الأقصى التي هي على عاتق الأوقاف الأردنية والعاهل الأردني وما تحمله الصفقة من سيادة إسرائيلية كاملة على القدس وهنا تنشط الدبلوماسية الأردنية لتعديل الصفقة تحت مبدأ حل الدولتين وقرار 242 والمبادرة العربية والحصول على تطمينات بأن الوصاية الأردنية لن يمسها أي تغيير وموقف قلق من قضية اللاجئين والتوطين في الأردن ومما يذكر أن الأردن سمحت بالحصول لأهالي الضفة على جوازات أردنية وهذا كان غير معمول به سابقًا بعد فك الارتباط ووجود السلطة واستصدارها لجوازات للمقيمين في الضفة وغزة وتحت مسمى الرقم الوطني في أرشيف الإدارة المدنية الإسرائيلية.
ولكن هل تنجح الصفقة أم تخسر ..؟ هنا الإجابة مرتبطة بفوز نتنياهو في الانتخابات وتعهداته بضم الغور ولجنة ترسيم الحدود التي شُكلت بموجب بنود الصفقة هذا أولا وبالتالي تعتبر الصفقة نفذت على الأرض بنسبة 80% ولم يتبقى منها الا التعهدات المالية والمشاريع والتحول الديموغرافي الرسمي، وإذا ما أخذنا البعد الأخر وهو الإقليمي والدولي موقف الاتحاد الأوروبي الذي يدعم حل الدولتين وروسيا والصين رغم انشغال العالم بوباء كورونا، الا أن الروس نشطو في الأونة الأخيرة فلقد التقت وزارة الخارجية الروسية، بنبيل شعت مستشار عباس، وكذلك من أيام قليلة بوزير الشئون المدنية وعضو مركزية فتح المؤتمر السابع، بوزير خارجيىة روسيا، وكذلك يلتقي وزيرا خارجية روسيا سيرجي لافروف مع رئيس المكتب السياسي لحماس في موسكو ، وهنا احد التعثرات لصفقة القرن الممكنة اذا استخدمت روسيا ثقلها كما يحدث في الشمال الشرقي السوري وفي ليبيا حيث تدخل روسيا بقوة في المنطقة، ولكن جميع القوى تكون متفقة على أن يتغير موقف الفلسطينيين من الرفض السلبي إلى الرفض الإيجابي والتعامل مع الصفقة من خلال التفاوض المباشر مع الإسرائيليين.
الطرح الفلسطيني على لسان رئيس السلطة محمود عباس وكما جاء في مجلس الجامعة العربية ووزراء الخارجية أو في مجلس الأمن يقوم على مؤتمر دولي أو الرباعية الدولية لترعى المفاوضات بين الجانب الفلسطيني والإسرائيلي، أي أن السلطة عمليا ومنظمة التحرير يمكن أن يتعاملا مع تعديلات ترعاها الرباعية الدولية للصفقة، ولكن رؤية الأمريكان والبريطانيين ودول أوروبية أخرى أن تتعامل السلطة مع الصفقة من خلال التفاوض المباشر مع الإسرائيليين ومناقشة النقاط الخلافية التي لا تعجب الفلسطينيين وليس رفض الصفقة رزمة كاملة وهذا ما عبر عنه كوشنير وغرينبلات وفريدمان وهم الثلاثي الذي وضع التصورات للصفقة وصياغتها، وهذا يمكن أن يحدث تحول فلسطيني غير معلن في الموقف الفلسطيني حيث صرح السفير الأمريكي في إسرائيل فريدمان بان هناك اتصالات بين الأمريكان والإسرائيليين مع شخصيات في الحكومة وفتح وربما تلك الاتصالات تتم تحت مفهوم وغطاء ما صرح به عباس سابقًا بان هناك علاقة قائمة مع السي اي ايه والكونجرس الأمريكي كما هي العلاقة قائمة مع الشين بيت والموساد الإسرائيلي واليسار الإسرائيلي.
التحول الفلسطيني من الصفقة أمر واقع وتحول لعبت عليه الإدارة الأمريكية، حيث صرح ترامب في السابق بأن الفلسطينيون سيتعاملون مع الصفقة بعد حين، في حين صرح كوشنير وغرينبلات ربما الصفقة لا تنجح ولكن مبدأ التفاوض يجب أن يكون قائمًا، والتساؤل الأخير: هل بقي شيء يمكن أن يغير الواقع الذي فرضته قرارات ترامب الخمس على الأرض... أشك في ذلك