بين حين وآخر، تكسر حركة الغضب الشعبي في الضفة والقدس حصار "التنسيق الأمني" بين سلطتي رام الله والاحتلال، فتبقي الاعتبار لروح الشعب الفلسطيني التاريخية، كرسالة تأكيد أن الانهزامية ليست جزءا من روح أهل فلسطين، رغم البلاء العام، وزمن الانحدار غير المسبوق فيما يسمى بقيادة وفصائل وأدوات.
المفارقة التي تستحق الدراسة والتفكير، بروز ظاهرة الحالة الانقسامية في المشهد الكفاحي الفلسطيني، بالتوازي مع المشهد الانقسامي السياسي، فمنذ سنوات طويلة، لا نجد حالة نضالية تكاملية بين جناحي بقايا الوطن، كما كان يوما في زمن ما قبل 2006، ولقد بدأ بروز تلك الحالة مع أول حرب عدوانية شنتها دولة الاحتلال ضد حركة حماس في قطاع غزة عام 2008 - 2009 استمرت ثلاثة أسابيع، من 27 ديسمبر 2008 حتى 18 يناير 2009، نتج عنها سقوط ما يفوق 200 شهيد وألاف الجرحى ومئات من البيوت والمراكز المدمرة.
حرب تدميرية لم تحرك ساكنا في الضفة الغربية، بل ان البعض من أدوات سلطة رام الله في حينه اعتبرها حرب على حماس، وحملها مسؤولية ما حدث.
وتلاها حربين 2012 و2014، ولم تهز ركودا في الضفة والغربية والقدس، وفي نهاية عام 2015 كسرت
"هبة السكاكين" حالة السكون السائدة في الضفة، وانطلقت شرارتها في أكتوبر 2015 لتحدث تغييرا نوعيا في شكل المواجهة الوطنية الفلسطينية ضد الغزاة المحتلين، ولعلها الظاهرة التي هزت دولة الكيان وجيشها ومستوطنيها، ومثلت حدثا نوعيا في التطور النضالي، وسيذكرها التاريخ بالحدث الأبرز بعد الانتفاضة الوطنية الكبرى ديسمبر 1987 (انتفاضة الحجارة)، ومواجهة 2000 الى 2004، لتصبح "هبة السكاكين" المكمل لهما، وبسبها فإنّ نسبة الإسرائيليين الذين باتوا يُعانون من حالات الكآبة والهستيريا والهلع والفزع ارتفعت بشكلٍ حادٍ جدا، ولكن هزمتها يد غدر فلسطينية طعنتها من الخلف.
ولاحقا فتح قطاع غزة جبهة مواجهة كفاحية شعبية في 30 مارس 2019، مع دولة الاحتلال فيما عرف بمسيرات كسر الحصار التي مثلت "نقلة نوعية" في أدوات النضال الوطني، بزخم جماهيري هو الأوسع في مسار المواجهة.
وبين أحداث كبرى كانت تتخللها أحداث أقل اتساعا، كما هو في الضفة خلال الأيام الأخيرة، من مواجهات نسبية في الضفة.
المفارقة الكبرى، ان المشاهد الكفاحية لم تشهد وحدة زمنية وميدانية في أي منها، ولم تنتفض الضفة يوما لنصرة غزة خلال الحروب عليها، ولم تنتفض غزة خلال هبة السكاكين الحدث الأهم منذ سنوات ما بعد المواجهة الكبرى من 2000 – 2004، والتي انتهت باغتيال الشهيد المؤسس الخالد ياسر عرفات.
تلك الفارقة تكشف بشكل جوهري، كم ان الانقسام ليس مظهرا فصائليا فحسب، بل بات أكثر عمقا وخطرا في ذات الوقت، حيث نال من جوهر وحدة الشعب الشاملة بكل مظاهرها، وهو الخطر الحقيقي الذي يتطلب مراجعة جذرية بعيدا عن "الخطابية الحزبية" التي يبدو وكأنها أصبحت أداة من أدوات ترويج الانقسام وتعميقه.
غياب الوحدة الكفاحية بين جناحي "بقايا الوطن" ليس حدثا عابرا، لكنه تطور جديد يتناسق تماما مع تكريس خطة الفصل من جهة ومشروع الضم والتهويد من جهة أخرى، أي كانت مبررات بعض من العاجزين، ما يستحق تفكيرا بلا خداع أو هروب لو حقا أن القضية الوطنية لازالت الهدف الكبير.
ملاحظة: "أي إصبع سُيرفع دعمًا للضم غير القانوني للأراضي المحتلة إلى إسرائيل قد يؤدي إلى إجراءات شخصية في القانون الدولي". من رسالة وجهتها منظمة "مقاتلون من أجل السلام" لأعضاء الكنيست..رسالة تستحق الترويج جدا!
تنويه خاص: إصرار حماس على عقد صفقة تبادل أسرى في زمن الضم والتهويد اعلان جديد بأنها تسير نحو مشروع الفصل الوطني، وتضيف بها سوادا فوق سواد، بعيدا عن مبررات مختلقة!