بعد مخاض عسير استمر حوالي سنة ونصف، وبعد ثلاث جولات انتخابية طاحنة، نجح نتنياهو المتهم بثلاث قضايا فساد في تشكيل اضخم حكومة في اسرائيل بالشراكة مع زعيم ازرق ابيض بيني غانتس بعد ان فشلت كل المحاولات القانونية و القضائية و الشعبية ازاحته عن المشهد .
نجح نتنياهو في تشكيل حكومة من خمسة و ثلاثين و زيرًاً و ستة عشر نائب وزير بعد ان تم اختراع وزارات جديدة اثارت سخرية الكثيريين،حيث تقدر تكلفة كل وزير بخمسة ملايين شيكل في السنه و تكلف وظيفة كل نائب وزير حوالي ثلاثة ملايين شيكل في السنة في ظل ارتفاع نسبة البطالة نتيجة ازمة كورونا حيث وصل عدد العاطلين عن العمل في اسرائيل الى مليون و نصف انسان.
نتنياهو حرص علي إرضاء من يسحجون له من قيادات الليكود بغض النظر عن حجم قوتهم داخل الحزب واستبعد كل من اعتقد انه سيخذله او يعارضه او لا يدافع عنه كما يجب في ظل اتهامه بالفساد.
هكذا استبعد نتنياهو على سبيل مثال جدعون ساعر رغم شعبيته داخل الليكود و استبعد تساحي هنقفي و افي ديختر رئيس الشاباك السابق رغم اماكنهم المتقدمه في قائمة الليكود و وضع سحيجته في اماكن مضمونه و متقدمه مثل امير اوحنا الذي عينه وزيرا للامن الداخلي و ميري ريغف كوزيرة للمواصلات واخترع و زارة جديدة مثيرة للسخرية لزئيف ألكن اسماها "وزارة التعليم العالي و مصادر المياة" و استحدث وزارة لسحيجة اخرى وهي تسيفي حوطوفيلي اسماها وزارة الاستيطان.
احد الاعتبارات التي اخذها نتنياهو في الحسبان هي بدء محاكمته التي من المفترض ان تكون الاسبوع القادم حيث سيحتاج لكل هؤلاء للوقوف الى جانبه اعلاميا و معنويا على الاقل رغم ان مستقبله السياسي على الارجح قد تم حسمه بعد انتهاء ولايته كرئيس وزراء بعد عام و نصف واستلام غانتس بدل منه، حيث بعد نهاية فترة هذه الحكومة الذي يتزامن مع محاكمته اما ان يتوصل الى صفقه مع النيابه لا تدخله السجن او يتم ادانته و ادخاله السجن. في كل الحالات التقديرات هي ان عهد نتنياهو سينتهي بعد هذه الفترة وهذه ستكون اخر حكومة له.
على اية حال، كل هذه التحالفات والصراعات الداخلية لا تعنينا نحن الفلسطينيين ، ما يعنينا هو ما هي السياسة التي ستعتمدها هذه الحكومة تجاه الشعب الفلسطيني و قضيته و ارضه خلال الثلاث سنوات و نصف القادمة. كيف سيتم التعامل مع السلطة في الضفة و التهديدات بضم المستوطنات و الاغوار؟ و كيف ستتعامل هذه الحكومة مع حماس في غزة او مع ملف غزة بشكل عام ؟
اولا : ضم اجزاء من الضفة الغربية
في الاتفاق الموقع بين غانتس و نتنياهو كان هناك جدل بين الاثنين حول التكتيك و التوقيت و الشروط التي يجب ان تأخذها الحكومة في تعاملها مع التوجه بضم اجزاء من الضفة الغربية و تطبيق القانون الاسرائيلي عليها.
غانتس الذي لا يختلف كثيرا من حيث المبدء عن نتنياهو اراد ان تكون الخطوات منسقه مع الادارة الامريكية و جزء من تطبيق صفقة ترامب و ان تأخذ بعين الاعتبار الوضع الاقليمي و الدولي و انعكاس ذلك على وضع السلطة و العلاقة مع الفلسطينيين.
نتنياهو و لاعتبارات أيديولوجية و سياسية اراد ان تكون الصيغة واضحة في الاتفاق وهي ضم الاغوار و تطبيق القانون الاسرائيلي و ضم اجزاء من المناطق المصنفة "سي".
في النهاية المفاوضات بينهما وكجزء من اتفاق هو الاكثر تعقيدا في تاريخ تشكيل الحكومات الاسرائلية نتيجة انعدام الثقة بين الطرفين تم التوصل الى صيغة معقدة ترضي الطرفين ، جوهر هذه الصيغة ان مشروع الضم سيتم عرضه على الكنيست في مطلع يوليو المقبل و ان غانتس لا يحق له الاعتراض على ذلك بعد التنسيق مع الولايات المتحدة الامريكية.
في كلمته امس امام الكنيست تعمد نتنياهو الحديث عن ضم المستوطنات و تطبيق القانون الاسرائيلي عليها بعد التأكيد على انها ارض الاباء و الاجداد و لن يتركوها ابدا ، وبعد ان تفاخر بأنه هو بمجهوده الشخصي و علاقته مع ترامب استطاع الحصول على هذا الانجاز العظيم. مع ذلك لم يذكر الاغوار في كلمته ، بالتأكيد لم يغفل عن ذلك ، بل التقديرات انه استمع الى نصيحة الامريكان بتخفيف حدة الحديث عن ضم الاغوار بعد الرسائل النارية التي ارسلها جلالة الملك عبد الله الثاني و التي حذر فيها من التداعيات الخطيرة لضم الضفة و خطورة انهاء حل الدولتين.
لذلك، ليس من المؤكد ان يتم تقديم مشروع الضم في مطلع يوليو ، حيث هناك اعتبارات كثيرة ستأخذ بالحسبان اهمها الموقف الامريكي و بالتحديد الرئيس ترامب. ما هو اكيد ان مشروع كضم و ضم الضفه الغربية بشكل تدريجي لكن بوتيرة اسرع مستمر و خطوات تعزيز الاحتلال مستمرة حيث يتصرفون وكأن السلطة غير موجوده ويفعلون كل ما يريدون ، تماما كما كان الوضع قبل العام ٩٤، يتصرفون و كأنه لا توجد سلطة فلسطينية قائمة وكأنه لا توجد اتفاقات سياسية تنظم العلاقة بين الطرفين .
الاعتقالات اليومية و هدم البيوت و محاصرة القرى و المخيمات اذا لزم الامر و استمرار الاستيطان و مصادرة الاراضي ، ومصادرة اموال الشعب الفلسطيني في سياق المعركة على رواتب الاسرى و التي كان اخرها الطلب من البنوك بالغاء حسابات الاسرى و ذوي الشهداء من خلال امر صادر عن الحاكم العسكري ( ليهودا و السامرة). كل هذا نماذج للممارسات التي تمارس في وضح النهار دون الاعلان رسميا عن عودة الاحتلال و الغاء الاتفاقات ودون تحمل اي مسؤلية كقوة محتلة.
مع ذلك و بعد ان نجح نتنياهو في تشكيل الحكومة و انتهى خيار الانتخابات الرابعه و الحاجة الى الخطابات الشعبوية و في ظل وجود وزراء اكثر عقلانية و اقل تطرفا ، و الاهم من ذلك وجود حزب يمينا ممثلا بنفتالي بينت و إيلت شاكيد خارج الحكومة ، مما يخفف الضغط عن نتنياهو عند اتخاذه القرارات، كل هذه العوامل ستجعله اقل ضغطا في اتخاذ القرارات رغم اغراءات المرحله المتمثل في ضعف السلطة الفلسطينية و انقسام الفلسطينيين على انفسهم .
ثانيا: السياسة تجاه غزة
بعكس الجدل العلني حول مستقبل الضفة الغربية و الحرص على ان يكون هناك اتفاق بين الطرفين على طبيعة السياسة التي يجب ان تتبع خلال المرحلة المقبلة، لم يشمل الاتفاق اي بند يتعلق بقطاع غزة . ليس لان الامر غير مهم و لا يشكل ازعاج لهم ، بل ربما ناتج عن ادراك و تجربة كل الاطراف بأن لا حلول سحرية لديهم و ان الحل الامثل هو تنويم ملف غزة و ان سياسة اطفاء الحرائق عند اشتعالها هي السياسة الاقل تكلفه في ظل عدم وجود استراتيجية واضحه.
مع ذلك سيجلس على طاولة الحكومة الاسرائيلية من يعرفون غزة جيدا و لهم تجارب تكفيهم لعدم الاقدام على قرارات متسرعه.
سيجلس على طاولة الكابينت الاسرائيلي خلال المرحلة القبلة اثنين من رؤساء الاركان السابقين ، الاول بيني غانتس وزير الدفاع و رئيس الوزراء المقبل و هو الذي اشرف على عدوان ٢٠١٤ كرئيس للاركان ، و الثاني هو غابي اشكنازي الذي تم تعيينه وزيرا للخارجية ووفقا للاتفاق سيصبح وزيرا للدفاع بعد ان يشغل غانتس منصب رئيس الوزراء، اشكنازي هو ايضا كان رئيسا للاركان في اول عدوان على غزة عام ٢٠٠٨/٢٠٠٩، اضافة الى جنرال ثالث يعرف غزة جيدا وهو يوآف غلنت الذي عين وزيرا للتعليم، غلنت شغل منصب قائد القوات في المنطقة الجنوبية للجيش و هو الذي قاد الجيش في عدوان ٢٠٠٨.
بعيدا عن التصريحات النارية خلال الحملات الانتخابية، خاصة من قبل غانتس و تعهداته بالقضاء على ( الارهاب) و اقتلاعه من جذوره. التقدير انه لن يكون هناك تغيير جوهري في السياسة الامنية و العسكرية و السياسية المتبعه تجاه غزة ، و ان حدث تغيير سيكون نحو تخفيف طفيف للحصار.
لكن هذا الامر يتعلق بعوامل عديدة و تطورات و احداث قد تؤثر على هذه السياسة.
مع ذلك يجب على الفلسطينيين ان يأخذوا بعين الاعتبار امرين:
الاول ان هذه الحكومة العريضة ستحظى على ثقة الرأي العام الاسرائيلي في حال اتخاذ اي قرار يتعلق بغزة سواء كان قرار بفك الحصار و منح غزة مزيدا من الاكسجين لكي لا تنفجر في وجوههم او قرار يتعلق بعدوان جديد على غزة اذا ما حدثت تطورات و مشاحنات و مناكفات تستدعي ذلك.
الامر الاخر و الاهم هو ما يتعلق بقضية الاسرى و المفقودين و الجثث. هذه الحكومة لديها تفويض شعبي و امني و سياسي واسع لانهاء قضية الجنود و الجثث. نتنياهو يريد ان ينهي هذا الملف و غانتس كوزير للجيش و كرئيس اركان سابق يشعر بمسؤولية تجاه جنوده الذين قاتلوا تحت امرته و الوزراء الاخرين لن يعارضوا صفقة تغلق هذا الملف حتى و ان كانت مؤلمة.
مع ذلك، ومع الاخذ بعين الاعتبار عدم وجود معلومات لما وصلت اليه هذه القضية، لكن الفارق بين ما تريده حماس كثمن لهذه الصفقة و بين استعداد اسرائيل لدفعه ما زال كبيرا. لكن هذه هي طبيعة المفاوضات و الامر يتعلق باسرائيل اكثر مما هو يتعلق بحماس.
ما هو اكيد ان قضية الاسرى ستبقى عقبة حقيقية او ذريعة امام تغيير الوضع الانساني في غزة و استمرار الحصار الظالم .