حسن عصفور
ليلة 20/ 21 أغسطس 1993 في ضواحي العاصمة النرويجية، وقعت مسودة اتفاق إعلان المبادئ (اتفاق أوسلو) بين ممثلي منظمة التحرير برئاسة أبو علاء قريع ووفد إسرائيل برئاسة أوري سافير، ومشاركة شمعون بيريز وزير الخارجية دولة الكيان، الذي حضر لمشاركة اللحظات الأخير لمفاوضات سرية استمرت من يناير الى أغسطس، لتضع اللبنة الأولى لاتفاق كان له أن يذهب بعيدا في صناعة سلام حقيقي في المنطقة.
بات الأمر واقعا، وانتهت مراسيم التوقيع برعاية نرويجية كاملة، ومشاركة حينا، لمنع "تفجير" حدث يصنع تاريخ سياسي في المنطقة، ودورا فريدا لبلدهم، التي ساهم فريقها الراعي للمفاوضات بمشاركة دولية متعددة، ولا زال أحدهم بيدرسون ممثل للأمم المتحدة في سوريا.
ومع نهاية التوقيع، أخبرني بيريز بصوت هامس، أن المعركة الكبرى ستبدأ مع "أمريكا"، والحقيقة ان كلماته في حينه أثارت سخريتي الى حد كبير، ولكنه أضاف سريعا، نعم هم ضد هذه المفاوضات ولا يريدون أي دور للمنظمة ولياسر عرفات.
عبارة أثارت فضول سياسي فسألت وزير الخارجية النرويجية الجديد الراحل هولست، أليس أمريكا على معرفة بهذه القناة وتفاصيل المفاوضات، أجاب مقتضبا نعم يعلمون ولكن هل هم راضيين ذلك ما سنعرفه في الزيارة التي ستتم (بيريز وهولست) الى واشنطن.
وعدنا الى تونس مقر الثورة والمنظمة منذ عام 1982 بعد معركة البطولة في بيروت، وتحدثنا بما كان، وهنا أكد الشهيد الخالد أبو عمار، نعم أمريكا لا تريد التفاوض مع منظمة التحرير، لنكتشف لاحقا أنها ليست رافضة للتفاوض بل رافضة لأي علاقة تكون منظمة التحرير طرفا مباشرا فيها، بعد أن رسمت كل ملامح حلها السياسي في سياق شطب منظمة التحرير دورا ورموزا، وهدفا لدولة فلسطينية، ولذا لم تشارك أمريكا في أي مفاوضات منذ سبتمبر 1993، بعد توقيع الاتفاق رسميا في البيت الأبيض، حيث انطلق في مدينة طابا المصرية من أكتوبر 1993، حتى يوم توقيع اتفاقية غزة – أريحا أولا مايو 1994، التي فتحت الباب لبناء أول سلطة فلسطينية فوق أرض فلسطين في التاريخ.
وقاطعت كليا مفاوضات الاتفاق الانتقالي من نهاية ديسمبر 1994 حتى أغسطس 1995 الخاص بالوضع في الضفة الغربية مدنا وحضورا للسلطة الفلسطينية، ومنها الذهاب لانتخابات رئاسية وتشريعية يناير 1996، لتبدأ رحلة بناء الكيانية الفلسطينية.
ولكن حدث الذي لم يكن ضمن حسابات التفاوض والمفاوضين، أن تجندت قوى اليمين واليمين المتطرف في إسرائيل، كما قوى رفض فلسطينية عربية وإقليمية لإفشال الاتفاق، ولم يكن سرا أن غالبية الفريق الأمريكي الخاص بمتابعة المنطقة كانوا من اليهود الصهاينة، وعملوا جاهدين لتدمير الاتفاق، وتحديدا دينس روس.
وجاء اغتيال اسحق رابين، شريك ياسر عرفات في توقيع الاتفاق في 4 نوفمبر 1995 لتعلن بداية عملية اغتيال مسار سلام كان له أن يكون مختلفا، بعد أن اتهموه بالتخلي عن "تهويد الضفة الغربية وبعض القدس"، أو كما قاولوا تنازل عن "يهودا والسامرة"، للأغيار الذين هم الفلسطينيون.
يومها قال الخالد لفريق سياسي مصغر، اليوم أنعى لكم عملية السلام، من يغتال رابين لن يكون قادرا أن يصنع سلاما، ولكن لا بد من اكمال المسار.
وفي نهاية مايو 1996 فاز تحالف اليمين واليمين المتطرف بقيادة نتنياهو – شارون، لتبدأ رحلة تدمير قواعد الاتفاق الرئيسي، وفجأة حضر وفد أمريكي برئاسة دينس روس وطلب البدء بمفاوضات حول "الخليل"، وكان ذلك ورأس الوفد الفلسطيني أمين سر تنفيذية المنظمة في حينه الرئيس الحالي محمود عباس ومشاركة ياسر عبدربه وصائب عريقات.
بعيدا عما حدث في تلك المفاوضات والنتائج السلبية جدا، فالجوهري أن أمريكا تدخلت لكي تبدأ رحلة تغيير جوهر الاتفاق، والعمل على وقف تنفيذه في الضفة والقدس ومنع الذهاب بعيدا في اعتبار "الضفة الغربية وحدة جغرافية واحدة" والولاية عليها فلسطينية، والعمل بكل السبل لبقائها كـ يهودا والسامرة".
من هنا بدأت حرب سياسية مكثفة انتهت لاحقا باغتيال الشهيد المؤسس أبو عمار.
وبعيدا عن تفاصيل كثيرة، لها وقت آخر، فالرسالة الأبرز من ذكرى توقيع "الاتفاق الشهيد"، ان دولة إسرائيل في المدى المنظور لن تكون شريكا في صناعة سلام في المنطقة، ولن يكون هناك سلام حقيقي بدون الفلسطيني، وذلك ليس استنتاجا بل هو واقع مستفاد مما سبق من اتفاقات مع مصر والأردن وتفاهمات مع قطر، تونس، المغرب وعمان، وتواصل ما مع السودان وغيرهاـ ولكن كل ما سيكون لن يتجاوز أمرا من "أشكال تطبيعية" ذات مصالح "اقتصادية – تجارية".
والأهم، الذي قد لا يراه البعض العربي، ان إسرائيل لا يمكنها أن تفتح الباب لكل أشكال التطبيع الحقيقي، فهي غير قادرة ابدا ولن تصمد كثيرا أمام زحف تطبيعي عام، لذا تعمل على ما يمكن تسميته "التطبيع الانتقائي"، وليس "التطبيع العام".
ومن دروس الاتفاق المغتال صهيونيا، هو أن الفلسطيني تقدم نحو السلام، لكن الآخر الإسرائيلي في ثوب صهيوني متطرف رفضه، ومن يرفض "السلام الممكن" مع الطرف الفلسطيني لا يمكنه أن يصنع "السلام المستحيل" بدونه عربيا...وقادم الأيام كاشفة جدا!
ملاحظة: سؤال مباشر الى قيادة حماس الرسمية، هل أنتم جزء من السلطة الفلسطينية نتاج اتفاق أوسلو، أم أنكم سلطة خاصة بكم نتاج تفاهمات قطرية إسرائيلية أمريكية عشية انتخابات 2006...لك جواب رد سياسي لو كان لديكم ردا...في الانتظار قبل الكتابة!
تنويه خاص: مقالة الأمير السعودي تركي الفيصل حول موقف القيادة الرسمية الفلسطينية من الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي يستحق التدقيق جيدا جدا...الرئيس عباس أنت قبل غيرك من عليه قراءة الأمر فهو لم ينطق عن الهوى!