مفروضٌ على الفلسطينيين أن يدخلوا في سباق دائم مع خصمهم الأول إسرائيل، ولأنهم لا يملكون الإمكانيات المادية للفوز فيه فإن جُلّ ما يسعون إليه هو البقاء في السباق مهما كانت النتائج مؤلمة ومكلفة.
حتى البقاء في السباق لا يكون بدهياً وتلقائياً بحكم الرغبة بل لا مناص من أن تكون أدواته فعّالة ولو بالحدود الدنيا.
الملاحَظ أن الفلسطينيين يواصلون البقاء في ميادين السباق مستخدمين خيولاً مُتعَبة فقدت شبابها بحكم تقادم الزمن، وبداهةً أن تفقد فرصها ليس في الفوز وإنما في مواصلة البقاء في الميدان.
هذه المقدمة ضرورية ولا بد منها للدخول في تقويم موضوعي لمؤتمر «سكايب» أو «الفيديو كونفرنس» أو «زووم»، الذي يعقده الأمناء العامون للفصائل الفلسطينية بين محطتين؛ إحداهما بيروت التي تجسد أفضل ما في الماضي الفلسطيني من مآثر بطولية بلغت ذروتها في حرب الثمانية والثمانين يوماً، تلك الحرب التي حققت إنجازين متناقضين؛ الأول بطولة عزّ نظيرها في التاريخ حين خاضت أصغر قوة عربية مسلحة أطول معركة مع أكبر قوة هي إسرائيل، وحازت من خلال أدائها إعجاب العالم كله. أما الثاني فقد تجسد بخسارة آخر جغرافيا حيوية تمتعت بها الثورة المسلحة بحيث ركبت البر والبحر إلى منافٍ قريبة وبعيدة هي في الواقع مقابر لحقبة الكفاح المسلح.
ولقد انفتحت أبواب كثيرة بدخول غير آمن وغير مضمون النتائج إلى حظيرة الحل مع إسرائيل الذي كانت مصر قد سبقت إليه.
من عاصمة مجد الماضي، بيروت، ستنطلق رسائل إلى عاصمتي بؤس الحاضر، رام الله، وكذلك غزة التي ستشارك قيادة أمرها الواقع من بيروت بعد يومين من تفاهم ملتبس أنضجته معادلة الحقيبة القطرية والسكين الإسرائيلية، التي ستقدم لـ«حماس» بعضاً قليلاً ممّا تطالب ولغزة بعضاً أقل مما تحتاج.
ستكون رام الله بحكم وجود الرئيس محمود عباس فيها هي رئاسة الحاضر المعذِّب والمعذَّب، وستجاهد رام الله لإثبات حضورها كعاصمة للشرعية المتنازَع عليها في زمن الالتباس الذي لم يجد حلاً حتى الآن بين شرعية محسومة بالنسبة للعالم، وشرعية مدّعاة لم تحظَ حتى الآن باعتراف ذي وزن مع أنها تحظى بدعم أكبر بكثير مما تحظى به الشرعية المحسومة، وهنا يمر طيف السراج وحفتر مع كل الفوارق بين الحالتين.
سيحمل «زووم» أصواتاً ينقلها من بيروت إلى رام الله وبالعكس، وسيستمع من لا يزال لديه الفضول للاستماع إلى خطب السادة الأمناء العامين المتحدين على الأثير والمتفرقين على الأرض، ولا بد من أن يخرج بيان ثوابت بعد ساعات من المرافعات الطويلة التي ستكون مكررة بالتأكيد، فالمواقف الجديدة تصدر عن قوى متجددة، أما عراقة الأمناء العامين فهي وإن كانت معتقة بفعل طول الأمد إلا أن العالم كله، ويا للمفارقة، قرر أمراً مختلفاً بشأنهم وشكراً لمن اخترع «سكايب» و«زووم» الذي لم تقتصر مزاياهما على تطوير وتوسيع الاتصالات والتواصل، بل إحياء قوى.
بعد صدور البيان الذي وفق الفولكلور السياسي الفلسطيني يُفترض أن يكون قد أُنجز قبل الاجتماع، سوف يفتش الفلسطيني في الضفة وغزة وفي المنافي القريبة والبعيدة في صفحاته وبين سطوره عن حلول يحتاج إليها ولا توفرها بدهية التمسك بالثوابت ولا مقولة: سنواصل الحوار حتى ننهي الانقسام وسنعمل بصورة موحدة لإسقاط مؤامرات الاحتلال وأميركا... بعد تلاوة البيان، الذي أجزم أن قليلاً جداً سيقرأونه، سيعود كل أمين عام إلى مكمنه في البلد الذي يستضيفه، ويظل رئيس الاجتماع في رام الله يكابد أزمات متوالدة كل يوم، وتظل غزة تراوح بين حد السكين الإسرائيلية وحقيبة العمادي، ولا غرابة في أن نسمع وعداً بلقاء آخر وقد نجد من يصفه بـ«المهم».