لا يمكن إنكار حقيقة أن شهر العسل الإسرائيلي في البيت الأبيض انتهى، وأن سقوط ترامب كان أسوأ خبر بالنسبة لبنيامين نتنياهو الذي انتظر طويلاً كي يهنئ الرئيس الجديد؛ فقد أمضى نتنياهو أفضل سنوات حكمه السياسي وحقق تقريباً كل برامجه في ولاية ترامب، كالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأميركية إليها، وانسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران، ذلك الاتفاق الذي لم يتمكن من تعطيله في فترة أوباما، وأخرجت العلاقات مع دول الخليج إلى العلن، وكسرت المحرمات في الملف الفلسطيني إلى درجة التبجح الإسرائيلي.
أغلب الظن أن ذلك انتهى وسقطت «صفقة القرن» ليلة الانتخابات، هكذا يقول كتاب إسرائيليون، وعلى إسرائيل أن تستعد بعد العشرين من كانون الأول القادم للتعاطي مع رئيس لا تقدم له البرامج والخطط الإسرائيلية ليحولها إلى سياسة أميركية مستخدماً كل وسائل الترهيب، بل لرئيس ربما يعيد ما يشبه فترة أوباما، وهي المرحلة التي وصفت بأنها الأصعب لنتنياهو، إذ قال بعض الكتاب: إن نتنياهو كان يعد الأيام لتنتهي ولاية أوباما.
يحاول بعض الكتاب، ومعهم بعض السياسيين في إسرائيل، التخفيف من عواقب وصول رئيس كان نائباً لأوباما بسياسته التي تعارضت مع اليمين الإسرائيلي في الملفين الأكثر صعوبة، وهما: الملف الإيراني والاتفاق مع طهران، وكذلك لم تنس إسرائيل أنه الوحيد الذي طلب وقف الاستيطان، وسمح بتمرير إدانة لإسرائيل في مجلس الأمن، في حين أن أربع سنوات ماضية لم تسجل أيّ إدانة لإسرائيل.
لكن الحذر الذي أظهره نتنياهو بعيد الانتخابات يظهره وكأنه يدرب نفسه على الاعتراف بهزيمة صديقه ترامب، والتأهل لغياب أصدقائه من الإدارة، مثل: نائب الرئيس المسيحاني مايك بنس، ووزير الخارجية بومبيو الذي زار المستوطنات في تحد للقانون الدولي، والسفير الأميركي في إسرائيل ديفيد فريدمان، الذي نزل بمطرقته تحت المسجد الأقصى باحثاً عن آثار يهودية فشلت كل دوائر الآثار الإسرائيلية بباحثيها على امتداد عقود ماضية في إيجاد أي أثر، وكذلك صهر سيد البيت الأبيض صاحب الكلمة العليا، اليهودي المتطرف والابن المدلل لنتنياهو، جاريد كوشنر.
هناك سبب لقلق إسرائيل التي تمددت في السنوات الأربع الماضية، إذ يشير السفير الإسرائيلي السابق في الولايات المتحدة، مايكل أورون، في مقال كتبه بصحيفة «إسرائيل اليوم»، إلى صداقة بايدن ونائبته مع إسرائيل، ورغم ذلك كما يقول: «فإن إدارة بايدن يمكن أن تشكل مستقبلاً تحدياً كبيراً لإسرائيل بسبب خلافات في الرأي إزاء موضوعَين جوهريَّين: الأول المسار السياسي الذي ستتخلى الإدارة من خلاله عن «خطة القرن» لترامب وتعود لمخطط أوباما - كلينتون، أي حل الدولتين على حدود 67 والقدس الشرقية عاصمة فلسطين، والأكثر إشكالية من ذلك هو نية بايدن المعلنة في انضمام الولايات المتحدة مجدداً إلى الاتفاق النووي مع إيران ورفع العقوبات، ما سينقذ النظام الإيراني من انهيار اقتصادي.
لكن مركز بيغن - السادات أصدر، قبل أسبوع، ورقة أكثر أهمية من الآراء التي طرحت وتناولت الحسابات الإسرائيلية إثر هزيمة ترامب وفوز الرئيس الجديد، وهو المركز الأكثر أهمية بالنسبة لليمين الإسرائيلي؛ حيث إنه يتبع جامعة «بار إيلان» معقل الأكاديميا اليمينية في الدولة. والورقة كتبها رفائيل بوخنيك الباحث والخبير في شؤون الشرق الأوسط، وجاء فيها: «يتعين على أطراف التقدير في إسرائيل أن تستعد لسيناريو يكون فيه الرئيس المنتخب بهذا المقدار أو ذاك مجرد واجهة، بينما الذي يمسك بالخيوط من وراء الكواليس الرئيس السابق أوباما الذي ساهم بكامل قوته في حملة بايدن». وفي فقرة أخرى من الورقة جاء: «يُعتقد أن أوباما لم يقل كلمته الأخيرة بعد في السياسة الأميركية، وبناء على ذلك يمكن أن يعتبر انتصار بايدن اللحظة المواتية لإعادة أجندته التقدمية إلى مقدمة المرحلة، سواء على الصعيد الداخلي أو على صعيد السياسة الخارجية، لذا يمكن أن تكون هناك تداعيات لا بأس فيها على جدول الأعمال السياسي في الشرق الأوسطـ مثل: عودة محتملة للولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي الإيراني، وتحول على الصعيد الإسرائيلي الفلسطيني، والشك في استمرار الزخم بعلاقات إسرائيل مع دول الخليج».
هذا ما يقلق إسرائيل من رئاسة بايدن، الحضور المهم لأوباما؛ باعتباره الرجل الذي يدين له بايدن بمستقبله السياسي، حيث كان قد تنافس ضد أوباما في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي لمنصب الرئيس عام 2008، ونال هزيمة كان يفترض أنها ستقضي على مستقبله، لينقذه أوباما بتعيينه نائباً له، ويعيده للمشهد بعد انكساره، وكذلك دعمه الكبير له في الانتخابات الأخيرة؛ حيث نزل أوباما بكامل قوته إلى جانب بايدن رافعاً شعارات مثل «فقط ليس ترامب»، وواصفاً نائبه السابق بـ «الرجل الاستثنائي»، و»الرئيس الاستثنائي»، أما بايدن من ناحيته فقد وصف نفسه كشريك لأوباما.
والمسألة الأخرى هي تنامي التيار التقدمي داخل الحزب الديمقراطي، وهو التيار اليساري الذي يتزعمه بيرني ساندرز المعارض لإسرائيل، والذي تنافس على قيادة الحزب لكنه انسحب وسط الحملة؛ ليفسح المجال لبايدن. وبات من الواضح أن هذا التيار ستكون له حصة مهمة في الإدارة وفي التعيينات المهمة. ويذهب جزء من هذا التيار إلى حد المطالبة بمعاقبة إسرائيل وتأييد حملة المقاطعة BDS. ورغم أن بايدن وهاريس بلا موقف حاد تجاه إسرائيل، وربما سينشغلان بمعالجة القضايا الداخلية الصحية والاقتصادية، وعصب الحياة في الولايات المتحدة وترميم الشرخ الذي أحدثته ولاية ترامب بين الأميركيين والذي وصفه أوباما بالانقسام، إلا أنه لا يمكن إغفال تأثير هذا التيار على سياسات الإدارة القادمة.
ومع فهم الأصول اليهودية لساندرز، وتصويت أكثر من 70% من يهود الولايات المتحدة لصالح بايدن ومساهمتهم بإسقاط ترامب، فهذا يعني أن هناك هوة بين إسرائيل اليمينية وبين يهود الولايات المتحدة، أو أن إسرائيل ليست على أجندتهم. وربما تعلّق هذا بأشياء كثيرة، جزء منها مرتبط بالأولويات، والجزء الأهم يرتبط بانزياح إسرائيل أكثر نحو اليمين الديني واليهودية والأرثوذكسية، بينما يهود الولايات المتحدة ينتمون لليهودية المحافظة. وكلما سارت إسرائيل نحو اليمين يتزايد الشرخ مع يهود الولايات المتحدة، ويضعف تأثير إسرائيل في البيت الأبيض.
المستقبل أكثر من مقلق؛ حيث تشير الإحصائيات إلى أن 70% من الطلاب في الولايات المتحدة هم من الأقليات، وأن الحزب الديمقراطي هو حزب الأقليات، وهذا يعني أن المستقبل في غير صالح الجمهوريين، وهذا ما دعا أحد قادة الحزب الجمهوري للقول: إذا لم ينتخب ترامب سيكون آخر رئيس جمهوري، وتلك حسبة أخرى، لكنها ليست مريحة ليمين إسرائيلي اعتاش على الجمهوريين وإدارتهم...!!
"الأيام"