دون إلغاءٍ معلنٍ لوقف إطلاق النار، اندلعت من جديد حرب الإبادة على غزة بوتيرة أعلى من كل ما سبق، وذلك استجابةً لإعلانات الرئيس ترامب بفتح أبواب الجحيم.
الاتفاق الأصلي الذي التزمت به «حماس» كان في الواقع ميتاً، فقد خدم ترامب تكتيكياً إذ سجّل لنفسه انتصاراً لم يتمكن منافسه بايدن من تحقيقه، دون أن يتوقف عن التهديد بفتح أبواب الجحيم على «حماس»، إذا لم تذعن لمطالبه المشتركة مع إسرائيل بشأن الرهائن وإنهاء وجود «حماس» في غزة.
دوافع استئناف الحرب وبالوتيرة التي شاهدناها، تضاعفت بسبب حاجة نتنياهو لتمرير سياسته الداخلية حيث مسلسل الإقالات لكبار القادة الأمنيين والعسكريين بما في ذلك القضاء.
إن مسلسلاً كهذا يحتاج إلى حربٍ تجذب انتباه الإسرائيليين عن القضايا الداخلية المتفجرة في وجهه، والتي تهدد فعلاً بإطاحته أو ذهابه إلى السجن.
لا أحد يمتلك القدرة للضغط على إسرائيل للعودة إلى حرفية الاتفاق، بما في ذلك الوسطاء الذين توصلوا إليه ووضعوا تواقيعهم عليه، ولا المجتمع الدولي ومنظمة المؤتمر الإسلامي التي تمت مناشدتها للقيام بمسؤولياتها التاريخية حيال ما يحدث لغزة.
يتعين على الإخوة في «حماس» أن يقرؤوا الجديد الذي طرأ على اللعبة، وأهمه وأخطره دخول ترامب كلاعب أساسي فيها، وحتى لو ظهرت على السطح بعض خلافات إسرائيلية أميركية على مستوى آلية صنع القرار الذي انتقل إلى يد ويتكوف، فإن الاتفاق بين الطرفين على الهدف من الحرب هو الأساس وله الأولوية، حتى حين فاوض «حماس» موظف صغير ملحق بإدارة ترامب جرت مبالغةٌ في تحميل ذلك دلالات سياسية أكبر مما تحتمل، مع أنها تمت في سياق تحقيق الأهداف سلماً وإلا حرباً.
أصبح واضحاً أن هنالك حاجة لنتنياهو باستمرار الحرب على كل الجبهات التي هدأت، حتى لو اقتضى ذلك التضحية بالرهائن، خصوصاً بعد أن قلّ عددهم بفعل عمليات التبادل السابقة. وفي هذا الصدد لنتنياهو نظرية تقول.. إن عادوا حتى وفق شروط ويتكوف، فهذا لا يضيره، وإن قتلوا جميعاً فتفسيره وتبريره يقول.. إنهم ضحايا حربٍ وجودية على إسرائيل، ويسجلون على حساب ضحايا هذه الحرب من الجيش والمستوطنين وغيرهم. هكذا يفكر نتنياهو ويبرر.
تتهم «حماس» نتنياهو بالانقلاب على الاتفاقات الموقعة، ونتنياهو لا ينكر ذلك، بل إنه يعلن انقلابه قولاً وعملاً، وعديد شهداء غزة في ساعاتٍ يثبت ذلك.
المدلول الأولي لاستئناف الحرب التي أجهزت في ساعات على ما يربو عن 400 شهيد غير الجرحى، وما خلّف من مساحات دمار، وترافقها مع إحكام الحصار ومنع دخول المساعدات، كل ذلك يعني انتهاء سيناريو الهدن كما كان، ليحل محله سيناريو إنهاء الدور المتعارف عليه للوسطاء، والذهاب إلى سياسة الإملاء «الجهنمية» التي وعدت بها إدارة ترامب وتقوم إسرائيل تحت قيادة رئيس أركانها الجديد حليف نتنياهو الأقرب بتنفيذها.