- إطلاق نار من آليات الاحتلال شمال غربي مخيم النصيرات وسط قطاع غزة
الربح و الخسارة هما مصطلحين نسبيين على وجه العموم ، و لكن عندما يتعلق الأمر بعالم السياسة ؛ فإن الربح هو ربح محض و الخسارة هي خسارة بحتة .
ليست كل المواقف السياسية تعبر عن وجهات نظر ، يمكن لنا تقبلها والتعامل معها ، فهناك مواقف تبنى على حقد و كراهية لا يمكن القبول فيها أو التعاطي معها ، ومنها موقف وزير خارجية تركيا الأخير ؛ الذي هاجم فيه شخص النائب محمد دحلان ، دون أي اعتبارات أخلاقية أو مهنية !
لم يخجل المسؤول التركي ذو " المنصب الرفيع " من مهاجمة القائد الفلسطيني العروبي بطريقة أقل ما يقال عنها أنها " شغل عصابات " ، وتجاوز ذلك ليصبح الهجوم ذا طابع شخصي ويحمل صفة التهديد . " أوغلو " الذي يقول رئيسه ما لا يفعل ، و يفعل عكس ما يقول ، يمارس دور الخادم المطيع ، ويتحدث بمنطق سيده " أردوغان " الذي يعاني من عقدة مزمنة اسمها " الإمبراطورية التركية " ، و يشعر بأن له حقاً مسلوباً في بلاد العرب ..
" أردوغان " صاحب عبارة " أحب المظلومين ، ولا أحب الظالمين " ، لم ينصر المظلومين ولم يحارب الظالمين . وما هذه الصفات في عبارته الشهيرة إلا تقسيم منه للمنطقة العربية . بين مستسلمين لوهمه بأنه السلطان الذي لا يرفض له طلب ولا يرد له أمر وهم " المظلومين " ، وبين رافضين لأطماعه في بسط نفوذه على المنطقة العربية وهم " الظالمين " . ثمّ أي ظلمٌ أشد من ذاك الظلم الذي حلّ ببلادنا العربية ، وكان لتركيا " أردوغان " في إيقاعه حصة الأسد !
- لا يعرف " أوغلو " وأمثاله بأن أصغر طفل في مخيماتنا الفلسطينية يملك من الجرأة و البسالة، ما يجعله قادراً على صفع جندي إسرائيلي مدجج بالسلاح ، دون أن ينطق الطفل كلمة واحدة - .
اليوم وقد أصبحت الأمور أكثر وضوحاً ، وانكشفت خيوط المؤامرة التركية على منطقتنا العربية ، لا بد من القول أن النائب محمد دحلان يشكل صخرة صلبة ؛ تقف أمام أطماع النظام التركي و أدواته العابثة في المنطقة ، والذين بدورهم لم يتوانوا عن محاربة الرجل بكل الأساليب وذلك لكي ينالوا من عزيمته ورباطة جأشه . مستغلين بأبشع الصور الانقسامات الفلسطينية الداخلية و حالة الضعف العربي ، ومستخدمين لغة الخطاب المزيف و الكاذب .
دحلان اعتاد على ذات الأسلوب المتكرر في محاربته و محاولة كسر شوكته ، الأسلوب الذي اتبعته و تتبعه حركة الإخوان المسلمين ، سلطة رام الله ، إسرائيل ، وقطر الأداة التركية في منطقتنا العربية . حيث لم تتوقف هذه الجهات المذكورة عن قدح و ذم الرجل ، وكيل الاتهامات له دون وجه حق ، وبث الشائعات المزيفة عنه ، وتدبير الشر له دون أي سبب .
أما نظام " أردوغان " فيحاول عبثاً إزاحة الرجل من المشهد ، كونّه يعلم تفاصيل التفاصيل فيما يتعلق بخبث النظام وجلده المتلوّن !
لكن النائب الفلسطيني المنتخب لا يكلّ ولا يملْ ، فهو دائماً ما يشعر بالمسؤولية الأخلاقية الملقاة على عاتقه اتجاه شعبه أولاً و أمته العربية ثانياً ، دون حتى أن يشغل أي منصب رسمي . فالرجل الذي تميّز بالذكاء والفطنة كان دائماً يجيد قراءة المشهد السياسي ، ويرى أن الخطر المحدق بالأمة العربية و محاولة تهميشها وإضعافها ، يُوجب عليه أن يتصدى جنباً إلى جنب مع أشقائه من القادة العرب لهذا الخطر والحفاظ على الوحدة العربية مهما كلف الأمر !
النظام التركي الذي لا يهمه سوى السيطرة على المنطقة العربية وبسط نفوذه فيها ، يجد من محمد دحلان عائقاً خاصة أن الأخير ؛ لا يتوانى عن كشف الأطماع التركية و التحذير منها . وقد غفلّ هذا النظام الذي يبيع البطولة وهماً للموتورين من على ظهور المنابر ، بأن دحلان هو ابن مدينة خانيونس كبر وترعرع في مخيمها ، المدينة التي كانت من أهم المدن تاريخياً في عهد الحكم العثماني ، والتي كانت لوفرة مياهها وخصوبة تربتها توفر المنتجات الزراعية لأكمل قطاع غزة ، و قدمت و ما زالت للقضية الفلسطينية ما لنْ يقدمه " أردوغان " وحاشيته لو عاشوا فوق أعمارهم ألف سنة !
بائعو الوهم في تركيا " أردوغان " ، قد تناسُوا بأن الفلسطينيين هم أهل الفعل و سادته ، وبأنهم ورغم جراحهم العميقة قادرون على الرفض و يستطيعون فرض معادلات جديدة في المنطقة العربية و الشرق الأوسط تحديداً . وهم الأقدر على تمييز الصديق ممن يدعون الصداقة ، والبطل ممن يدعون البطولة .
إن نظام البوليس ، قمع الحريات ، وكتم الصوت - الذي أسسه " أردوغان " - في بلاده و مارسه على الشعب التركي - يسعى وبشكل دائم لتسويق نفسه أمام العالم بأنه داعم للديمقراطية و خيارات الشعوب ، في حين أن هذا النظام لا يتعاطى مع مبادىء الديمقراطية على الأرض التركية ، و يقمع كل صوت معارض لسياسته ، و يصادر حرية الرأي والتعبير.
" أردوغان " صانع النهضة المزّيف ، والمتشدق بمبادىء الديمقراطية خارج أبواب مملكته ، لا يروق له أن يرى البلاد العربية تزدهر و تنفتح عل العالم ، فهو يشعر بأن هذا حق خالص و حصري لبلاده فقط .
ويرى بأن نهضة العرب و سيرهم في طريق النمو و الإزدهار ، مؤشر خطر و عامل ضعف يهدد حلمه بالسيطرة على الإقليم .
السلطان - كما يرى نفسه - لا يحب لغيره ما يحب لنفسه ، ظناً منه بأن القمح ينمو لكي يكون الخبز على مائدته فقط !
دحلان الذي ظهر مؤخراً في حديث على فضائية mbc مصر مع الإعلامي المصري عمرو أديب ، لم تؤثر به هرطقات " مولود جاويش أوغلو " ، ولا من قبلها تقارير صحيفة " يني شفق التركية " المقربة من نظام " أردوغان " . ففي كل مرة يظهر الرجل وكأنه يملك قوة الكون بأكمله ، غير آبهٍ بما يلقى عليه من تهم جزافاً .
القائد الفلسطيني ليس لديه ما يخفيه ، تحدث كعادته بثقة و بلغة منمقة ، ودافع عن نفسه بنفسه . ولم ينتظر أحداً كي يدافع عنه فهو يملك من بلاغة الحديث و قوة الحضور ما لا يملكه رؤساء دول كبرى!
لست في موضع الإشادة بصفات دحلان الشخصية ، لكن الرجل في الحقيقة ظهر كزعيم عربي فريد من نوعه ، قادر على المواجهة بجرأة وقوة وموضوعية . وهي صفات كانت في دحلان منذ نعومة أظافره ، عندما برز كقائدٍ لحركة الشبيبة الطلابية في الأراضي المحتلة .
كان خيار دحلان في حديثه أن لا يرد على " أوغلو " ، بل كان الرد موجهاً للرئيس التركي " أردوغان " الذي بادر إلى عداء النائب الفلسطيني .
لم يكن الكلام سلاح دحلان الوحيد ، بل عرض في خضم حديثه من الوثائق و الحقائق ما يكفي لإدانة الرئيس التركي بقضايا لها علاقة بإبرام صفقات مشبوهة و العمل على إدارة الإرهاب في البلاد العربية وتمويله .
كان النائب الفلسطيني في مقابلته التلفزيونية صريحاً و هادئاً لأبعد الحدود ، يسمي الأشياء بمسمياتها ولم يستخدم لغة الاستعارات والمجاز . دحلان الذي يجيد إحراج خصومه السياسيين و وضعهم بالزاوية ، نجح في الوقوف صلباً لا يكسر أمام المتكبر التركي الذي يرى في نفسه بأنه سيد المنطقة دون منازع .
دون أي مبالغة ؛ وفي زمن الوقوف على عتبات الدول ، يجلس دحلان في صدر مجلس العرب ، يدافع عن العروبة و يقف في وجه أعدائها الطامعين ، دون أن يشغله ذلك عن قضيته الأولى والمركزية ، التي لم يغفل عنها في يومٍ من الأيام ، ولم يقرن عمله من أجلها بمنصبٍ هنا أو هناك . فبقي المخلص لشعبه ، المعتز بكرامته ، والمثابر في سبيل أن ينعم الفلسطينيون بالحرية والاستقلال .
في ميزان الربح والخسارة ، يخسر أولئك المشعوذون أصعب الخسارات وهي خسارتهم لذواتهم ، بينما يربح دحلان قلوب الجماهير ، فهو رجل جماهيري من الطراز الأول ، وتاريخه الحركي يشهد على ذلك . يمضي الرجل واثق الخطى دون أن يضره من خذله ، مستقوياً بأصغر شبلٍ فلسطيني .