- قوات الاحتلال تقتحم مدينة قلقيلية
- جيش الاحتلال يطلق الرصاص الحي تجاه الشبان خلال اقتحام مدينة قلقيلية
اطمئنان الهدف وحسبة الأمريكي
يتوجب التأمل، في تعقيدات الفصل الأخير من الحدث العراقي الذي يمثله قتل قاسم سليماني و"المهندس" وآخرين، في قصف استعراضي أمريكي، تعمد تظهير القدرة على المبادرة والتفوق العسكري المنذور لتكريس نفوذ العنصر "اليانكي" الأمريكي في العالم!
بدايةً، استعاد القصف في ردود أفعاله، مقولة قديمة ـ جديدة، تؤكد على أن الأمريكي ليس له صاحب. فهو يساير طالما أن المسايرة تفيده. ولكي لا يتشكك أحد، في كون الرجل، بدأ دوره العسكري، صاحباً للأمريكي؛ نُذّكر مستشاري الأمن القومي الأمريكي المتعاقبون، أوصوا على تحاشي التعرض له. لذا كان في المهجية العسكرية الأمريكية، مختلفاً عن طرائد أخرى للطائرات المسيّرة التي ظلت تضرب في اليمن وسوريا والعراق وليبيا. فهو ليس كالبغدادي وأشباهه، مضطراً الى الإختباء. فلماذا كل الرجل مختلفاً؟
يمكن اقتناص الإجابة عن هذا السؤال، من ثنايا تعقيدات العلاقة الأمريكية ـ الإيرانية. ففي هذه العلاقة مساحتان، واحدة للتهاجي ولممارسة التعارض في الطموحات والرؤى وتمظهرات القوة، وأخرى اضطرارية للتعاون المسكوت عنه، على النحو الذي يلبي مصالح الطرفين، دون أن يخفف هذا التعاون، من حدة السجال بين الطرفين. فالمساحة الأولى، مخصصة للتوجهات العامة، بينما المساحة الثانية تتيح اللقاء والتنسيق في التفصيلات. وعلى هذا الصعيد، كان البسطاء قبل المختصين، قد أحسوا بوجود مثل هذا التعاون، في الحرب على العراق وإطاحة صدام حسين. وذاك كان إرثاً بُني عليه، وساعد على استئناف التنسيق في مناسبات أخرى، قبل وبعد إطاحة صدام.
فقاسم سليماني، هو الرجل الذي ترأس عملية التنسيق مع الأمريكيين ومع البنتاغون، في تشغيل عملية تفكيك، أو محاولة تفكيك، سيطرة طالبان على أفغانستان. في ذلك السياق، كان هو يؤدي وظيفته وفق حسابات الايديولوجيا، والأمريكيون بحسابات الأمن والتواجد العسكري. وكان ذاك على أية حال، تعاون بين طرفين، لا يُلزم كل منهما تخفيف كراهيته للآخر!
وقاسم سليماني، الضابط في "الحرس الثوري" هو الذي تولى في عهد الرئيس باراك أوباما، ضمان التناغم بين ميليشيات "الحشد" والقوات الأمريكية التي جاءت لقتال داعش. ولم لا، والعدو مشترك، ولا يُراد للعنصر البشري الأمريكي أن يشتبك على الأرض من المسافة صفر؟ وأيضاً لم لا، إن كانت الحكومة العراقية نفسها، آنذاك، هي التي طلبت القوات الأمريكية، برضا مرجعياتها الدينية المحلية ومرجعياتها الإيرانية، والرجل تحت إمرة مرجعياته؟
على الرغم من ذلك، كان سليماني نفسه، في ناظر الأمريكيين، يستحق القتل على ما سبق من أدوار انتهت بإخراج القوات الأمريكية من العراق، أو ـ بالأحرى ـ إعادة صياغة وجودها وتأطيره باتفاقية، وإنهاء "شكل" الحكم الذي يتصدره "بول بريمر". فبالنسبة للإيرانيين، لا تلائمهم صيغة الحكم التي أطلق عليها الأمريكيون "سلطة الإئتلاف المؤقتة" واستمرت لمدة سنة وأسبوعين. لذا قاوم العراقيون القوات الأمريكية، بصيغة الشعب والحشد الشعبي، لكي لا يتحمل حكام العراق الجدد، أزوار قتل أمريكيين ساعدوهم على استلام السلطة. وبالطبع أدار الإيرانيون تلك المقاومة، لأن شكل الحكم ينتقص من "شرف" إيران في ساحة لا يختلف اثنان على كون طهران هي التي باتت تحدد مسارات السياسة فيها!
وفي تلك التجربة، كان سليماني العقل المدبر لعملية "تطفيش" الأمريكيين، ومفاقمة إحساسهم بالخسارة. ومع تداعي الأحداث، بعد مغادرة غالبية القوات الأمريكية، وظهور "دولة داعش" وجد الأمريكيون سليماني يلائمهم، وبالفعل لم يخيّب آمالهم على قاعدة العدو المشترك . بعدها أصبح الرجل في ذهن الأمريكي يستحق الشيئين: أن يُقتل وأن لا يُقتل!
غير أن سليماني، من جانبه، ظل يتعايش مع الفكرة التي تستبعد استهدافه، لأسباب كثيرة، من بينها أن داعش ومثيلاتها، لا زالوا موجودين، وأن إسرائيل لم تغامر بتأييد تام لطرف في سوريا لا تأمن شره، وتفضل الطرف الذي تعرفه، وأن إسرائيل تضرب إيران في سوريا، في أية ساعة، ولا ترد، فهي محيّدة في ساحة عمل سليماني الأساسية، وأن الأمريكي يمكن أن يستعتين به لخفض التوتر مع طهران، وهذه نقطة أشار بعض المعلقين الى وقائع تدل عليها.
لكن حراك الشعب العراقي ضد السلطة، ورفع شعارات تصفية دوائر الفساد واعتصار الشعب العراقي وكف يد إيران عن البلاد، خلط الأوراق، وجعل استهداف الأمريكيين هدفاً لموالي إيران في ظروف إقليمية مواتية. هنا، اصبح اليانكي الأمريكي في مأزق. السفارة الأمريكية في بغداد، رمز "الفضل" الأمريكي على السلطة، باتت مهددة والقوات الأمريكية مهددة، والسياق يجري لصالح طهران، ثم إن الإنتخابات الرئاسية الأمريكية باتت قريبة، والحزب الديموقراطي يضيق الخناق على ترامب لكي يعزله قبل انتهاء مدته، بينما هو يطمح الى ولاية ثانية، والنزاع مع الصين، شهد الكثير من النقاط لصالح بكين!
عندئذٍ وجد ترامب نفسه معنياً بعمل، وإن كان في حدود اغتيال شخص فرد، فإن فيه استعادة لدور السوبر الذي يضرب وقتما شاء وأينما شاء وبالكيفية التي يريدها.
لم يكن الوقت، وتسارع الأحداث، يتيحان لسليماني معرفة حقيقة التغيير الذي طرأ على المعادلة، في اللحظة الفاصلة بين اطمئنان الهدف وحسبة الأمريكي الجديدة!