- آلية لجيش الاحتلال تصدم مركبة على شارع الناصرة في جنين
لم تمهل إدارة ترامب القمة العربية طويلاً وسرعان ما أعلنت رفضها للخطة المصرية لإعادة إعمار غزة التي تحولت إلى خطة عربية تم تبنيها.
ولكن واشنطن التي تحمل على أكتافها مشروع الحكومة الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل كانت تدرك أن ما تم التوافق عليه في القاهرة هو «لا «مباشرة لما أعلنه الرئيس الأميركي لكن اللا الإسرائيلية لمخرجات القمة العربية كانت أسبق ممهدة لنظيرتها أو توأمها الأميركي.
«الرئيس دونالد ترامب متمسك برؤيته لإعادة بناء غزة خالية من حماس» هكذا قال برايان هيوز المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي وهذا تقريباً ترجمة للرد السريع لوزارة الخارجية الأميركية مع بعض فروقات الكلمات، هذا الموقف يعني إجهاض التحرك العربي قبل أن يبدأ وهو ما كان يعول عليه الفلسطينيون الذين انحنوا لعاصفة انحناءة كانت واضحة في القمة بعد أن أدركوا أنها ستقتلعهم بعد ما تجاهلوا ما يكفي من حقائق الأرصاد السياسية والرياح العاتية التي ضربت من هم أقوى منهم في المنطقة.
«إعادة إعمار غزة بلا حماس» هذا ما جاءت به القمة بتشكيل لجنة مستقلة من التكنوقراط لستة أشهر تمهيداً لتسليم غزة للسلطة صاحبة الولاية القانونية».
طبعاً إسرائيل لا تقبل بذلك وجاء ردها على فكرة السلطة شديد الوضوح، وعلى الجانب الآخر تعلن الرئاسة الفلسطينية استحداث منصب نائب رئيس والتصالح مع من تم فصلهم من حركة فتح، وهي مطالب عربية بعضها قديم كالمصالحة الفتحاوية الداخلية التي بادرت لها رباعية عربية سابقاً وبعضها في إطار رؤية تشكلت بعد الحرب وكل تلك لم تتم الاستجابة لها سابقاً.
يمكن القول إن ما كان في هذه القمة هو بمثابة رضوخ فلسطيني من قبل قطبي النزاع حركتي فتح وحماس للشروط العربية، وذلك ارتباطاً بمعرفة تلك الأطراف أن فداحة الأزمة والدمار الذي لحق بغزة وكذلك مشروع التهجير لم يُبق لديهم سوى التحزم بالحالة العربية كخلاص وحيد وأخير بعد سقوط الخيارات الأخرى وحالة التحطم التي وصلتها غزة كانت كلتا الحركتين تدرك أن لهذه استحقاقاتها التي كان يجب أن تدفع فواتيرها في القمة.
أشهر حرب الإبادة الطويلة التي لم يستطع العرب أو غيرهم وقفها لكن نتائجها أعطت العرب ما يكفي من القوة في مواجهة العبث الفلسطيني حد المغامرة بتدمير غزة وإيصالها عند حافة التهجير.
ولم يقتصر الضرر على الفلسطينيين فحسب بل تجاوز ذلك نحو تهديد الأمن القومي لدول الجوار، من خلال مشروع التهجير الذي ترى إسرائيل أن السابع من أكتوبر وفر لها ما يكفي من الظروف لتنفيذ ما ندمت على ما لم تنفذه في العام 48 عندما لم تقف دباباتها على الحدود المصرية بعد أن تكون قد طردت الفلسطينيين أمامها إلى سيناء، وهو ما قاله الجنرال بنيامين بن اليعازر، بدل أن تبقيهم في غزة لينتجوا ثورة وأحزاباً.
هل يعني ذلك أن الخطة العربية التي علق عليها الفلسطينيون الأمل قد تم وأدها بعيد الإعلان عنها؟
يبدو الأمر كذلك فهو يتعلق كما كل الفعل السياسي بموازين القوى وقدرات الفواعل في الملف، فالفلسطينيون كفوا منذ فترة عن أن يكونوا فاعلاً رئيساً في الملف الفلسطيني، تلك حقيقة مزعجة أنتجتها بدائية إدارتهم لقضيتهم والصراعات الصغيرة على السلطة التي استهلكتهم والتي سمحت بالتدخلات الخارجية بعد أن أفقدتهم الصورة الطهرانية التي تحلى بها النضال الفلسطيني لعقود، ما مكنه من الاستحواذ على قوة ناعمة ومؤثرة ومانعة للتدخلات، ولكن في السنوات الأخيرة كانت كل مصداتهم قد انهارت لتسمح بالتلاعب ببعض القوى بل أغلبها.
إسرائيل أحد أبرز الفواعل في الملف الفلسطيني أو الفاعل الأكبر ليس فقط لجهة تحكمها بكل حياة الفلسطينيين بل لجهة أن دباباتها التي جابت شوارع قطاع غزة ما زالت تحتل أجزاء منه وتغلق معابره، انسجاماً مع مشروعها بقتل الحياة في المكان.
ولا يمكن القيام بأي عملية لإنعاش للقطاع دون إرادتها، فالدول التي لم تتمكن من إدخال بعض شاحنات الغذاء لغزة لن تتمكن بالقطع من إعادة إعماره رغماً عن إسرائيل، وتلك حقيقة معروفة وخصوصاً عندما تقف خلفها قوة كالولايات المتحدة الأميركية التي لم تمهلنا كعادتها طويلاً في تفسير اتصالاتها مع حركة حماس، ليرد رئيسها في تغريدة تهديد للحركة تشبهه تماماً أو تشبه رجل الكاوبوي «أطلقوا سراح الجميع وإلا انتهى أمركم ...هذا تحذير أخير ..!».
عادت الأمور إلى نقطة الصفر من جديد، والفهم الفلسطيني للأحداث شديد البطء ويتأخر كثيراً كعادته أو يجيء بعد فوات الأوان.
فقد أضاع الفلسطينيون ما يكفي من الوقت قبل أن يأتي ترامب معلناً مشروعه بتجريفهم جميعاً.
كانت حماس تقول إن اليوم التالي هو حماس قبل أن تصل لنتيجة معاكسة بعد عام ونصف العام بأن مستحيلات حكمها لغزة أكبر كثيراً من ممكناتها بالمعنى الفلسطيني والعربي والدولي ومع رئيس أميركي عنيف، وتدرك أنها لو اتخذت مبكراً خطوة العودة للوراء ربما لقطعت الطريق على حرب الإبادة وسحق القطاع. فكم كلف هذا ؟ وكم سيكلف أكثر؟.