أعاد لي الاجتماع بين منتسبي التيار المسيحاني الصهيوني في البيت الأبيض بالرئيس دونالد ترامب، في الثامن من شباط العام 2025، تأثير هذا التيار الديني الأصولي على أميركا في عهد الرئيس دونالد ترامب! كان المتحدثون الزائرون ينطقون باسم ثلاثة آلاف زعيم مسيحاني صهيوني، يمثلون عشرات الملايين ممّن يؤمنون بوجوب نصرة إسرائيل لتتمكن من الانتصار على أعدائها، لكي يعود المسيح المنتظر! قال المجتمعون لدونالد ترامب: «صوَّت التيار المسيحاني الصهيوني بنسبة 80% للحزب الجمهوري»
طالبه هؤلاء المجتمعون بتنفيذ وعده بضم الضفة الغربية، لأنها أرض الميعاد المذكورة في الكتاب المقدس، من أجل إنهاء ما يسمى «حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية»! كما أن كل مسيحاني يساعد على إنجاز هذا الوعد مُباركٌ من الله!
قالت، إفرات ليفني الصحافية في صحيفة «نيويورك تايمز» يوم 8-3-2025: «ندعو الرئيس ترامب لإزالة كل العقبات التي تعيق الاعتراف بيهودا والسامرة واعتبارها جزءاً من أرض الميعاد»!
قالت القسيسة البارزة، تيري كوبلاند، قسيسة كنيسة تكساس: «هناك ثلاثة آلاف قسيس مسيحاني صهيوني بارز يمثلون عشرات الملايين، سيرسلون لكم طلباً مكتوباً لكي تعطوا إسرائيل الحق في ضم، يهودا والسامرة»!
قال، فرانكلين أبراهام القس البارز في التيار المسيحاني الصهيوني مدير مؤسسة، Samaritans Purse الإيفانجيلية، وهو من أبرز المبشرين المسيحانيين في العالم، ومن أبرز مانحي المساعدات لأوكرانيا وإسرائيل، قال بعد حرب الإبادة يوم 7/10/2025: «إن الله اختار دونالد ترامب لغرض منح إسرائيل الاعتراف بضمها الضفة الغربية، وإلغاء حل الدولتين»!
كذلك أشاد المجتمعون بالقسيسة باولا وايت المشرفة على إعادة صياغة الرئيس ترامب وجعله يؤمن بالمسيحانية الصهيونية، وهي أول رئيس لقسم الإيمان في البيت الأبيض، لأنها أجرت تغييراً في حياة الرئيس ترامب الإيمانية!
وهي أيضاً التي كان لها دور كبير في اختيار مايك هاكابي سفير أميركا في إسرائيل، لأنه من أبرز قساوسة التيار المسيحاني الصهيوني، وهو قد قال في آخر لقاء إعلامي له مع فضائية «سي إن إن» عندما كان يشارك المسيحانيون الصهيونيون في القدس احتفالهم: «إن ضم الضفة الغربية لإسرائيل أمرٌ حتمي. ليس هناك ما تُسمى ضفة غربية أو احتلالاً، بل هناك يهودا والسامرة».
أما تعيين ماركو روبيو وزيراً للخارجية الأميركية، فقد كان أيضاً بسبب أنه من أبرز المناصرين للتيار المسيحاني الصهيوني، على الرغم من أنه نشأ في أسرة كاثوليكية، وهو زعيم نظرية التهديد الصيني للعالم، هذه النظرية يؤمن بها الرئيس ترامب! وقد عبر عن ذلك عندما قال: «دون جهود حثيثة لهزيمة الصين، فإن العالم مقبل على فترة مظلمة»! لذا فإن الصين ترفض منحه تأشيرة دخول!
وماركو روبيو من مناصري إسرائيل أيضاً، وهو الذي عارض القرار الدولي الصادر من مجلس الأمن 2334 الذي يدين الاستيطان، قال في بداية حرب التطهير العرقي في غزة: «لإسرائيل الحق مائة في المائة في محاربة الإرهابيين الوحوش في غزة»!
ماركو روبيو هو الذي رسم على جبهته علامة الصليب بالرماد يوم 6/3/2025 في لقائه مع وكالة «فوكس نيوز» بمناسبة أربعاء الصوم المسيحي، وهو بهذه الفعلة نقض شعار أميركا التقليدي «أميركا دولة ديمقراطية تفصل الدين عن الدولة»!
كذلك فعل نائب الرئيس، جي دي فانس، فإنه رسم الصليب على جسده عندما همَّ بالصعود للطائرة التي ستُقله لزيارة الحدود المكسيكية الأميركية، وهو أيضاً يؤمن بما يؤمن به ماركو روبيو.
كل تلك المؤشرات تؤكد أن أميركا غادرت اسمها التقليدي (الدولة الديمقراطية) لتصبح في عهد ترامب (الدولة المسيحانية الدينية السلفية)!
كل ما سبق أعادني إلى عصر المماليك في القرن الحادي عشر الميلادي، حين شنَّ الزعماءُ السلفيون الحروبَ الصليبية الطاحنة، وقد استغلوا جهالة وطغيان الحاكم بأمر الله، وجعلوه مهدداً للحضارة المسيحية وشكلوا العصابات المسلحة باسم الحروب الصليبية بدعوى إنقاذ المسيحيين من جرائم الحاكم بأمر الله، لأنه هدم كنيسة، الضريح المقدس في القدس، لذلك شن المتطرفون المسيحانيون الحروب الصليبية التي غيرت خارطة المنطقة بأسرها!
مع العلم أن دارسي التاريخ في العصر المملوكي يؤمنون بأن الخلفاء المسلمين منحوا اليهود والمسيحيين مناصب رفيعة في دولة المسلمين، وسأظل أتذكر أن الخليفة المملوكي، المستنصر بالله، ولد لأم يُقال إنها يهودية ثم أسلمت، وإن تاجراً يهودياً مقرباً من الأمير، هو أبو سعيد التستري، أهدى هذه الجارية لوالد الأمير، فولدت له ابنه المستنصر بالله العام 1065، وإن هذا التاجر كان من أشهر تجار الآثار في العالم أجمع، كذلك عيَّن المستنصرُ اليهوديَ صدقة بن يوسف وزيراً للمالية في دولة المماليك، وهذا بالنسبة للباحثين في تاريخ المماليك كان مصدر فخرٍ، يشير إلى أن حكام مصر المسلمين لم يكونوا يفرقون بين الأديان، إلا أن أحد الشعراء وهو الحسن بن خاقان قال محتجاً على ذلك:
يهودُ هذا الزمان قد بلغوا.. غايةَ آمالِهم وقد ملكوا
العزُّ فيهم، والمالُ عندهمُ.. ومنهم المستشارُ والملكُ
يا أهلَ مصرَ إنِّي ناصحٌ لكمُ.. تهوّدوا فقد تهوَّد الفلكُ
هذه الأبيات الشعرية نُسبت أيضاً لابن البواب، وأشار مؤرخون آخرون إلى أنها مجهولة النسب!