- قصف جوي إسرائيلي في محيط مستشفى كمال عدوان شمالي قطاع غزة
- القناة 12 الإسرائيلية: إطلاق أكثر من 100 صاروخ من جنوب لبنان باتجاه إسرائيل منذ ساعات الصباح
منذ بداية العام، ارتقى 27 شهيدًا فلسطينيًا، معظمهم قبل عمليات المقاومة في بئر السبع والخضيرة و"بني براك"، ومعظمهم قتلوا بدم بارد، ولم يخططوا أو يشاركوا في تنفيذ عمليات، وتواصلت عمليات التوسع الاستيطاني والاعتداءات على الأقصى، واستمر الحصار على قطاع غزة، هذا من جهة.
ومن جهة أخرى، قدّمت سلطات الاحتلال تسهيلات، أهمها زيادة عدد العمال المسموح لهم بالعمل داخل الخط الأخضر من قطاع غزة إلى 20 ألف عامل، ووقف هدم المنازل مؤقتًا، وإبداء الاستعداد للسماح للمصلين بالصلاة في المسجد الأقصى طوال شهر رمضان، مع مواصلة جرائمها وإجراءاتها، بما فيها السماح لإيتمار بن غفير، عضو الكنيست المتطرف، باقتحام الأقصى، والزيارة الاستفزازية ليائير لابيد، وزير الخارجية، إلى باب العامود، إضافة إلى الالتزام بتوفير الحماية للمصلين اليهود أثناء اعتداءاتهم على الأقصى، ومواصلة الاستعداد لاحتفالات ومسيرات في عيد الفصح، وما يحمله هذا العمل من إمكانيات كبيرة للتصعيد.
وتحدّثت الأوساط الإسرائيلية، طوال الوقت، عن التصعيد القادم في شهر رمضان، لدرجة أن بيني غانتس، وزير الحرب، هدد وحذر من أي مقاومة، كما أعلن رئيس أركان جيش الاحتلال عن إصدار أوامره للاستعداد لعملية "حارس الأسوار 2" بعد جريمة اغتيال خلية الجهاد الإسلامي في جنين، ورفض فصائل المقاومة التعهد للوسطاء الذين طالبوهم بضبط النفس، وكأنّ لا علاقة لقوات الاحتلال بالتصعيد، وكأنّه فعل فلسطيني وليس رد فعل طبيعيًا على الاحتلال، وممارساته، وجرائمه.
ووجد الاحتلال ضالّته في نسبة العمليتين اللتين نفذهما كل من: من محمد أبو القيعان، وأيمن وإبراهيم إغبارية، إلى تنظيم داعش؛ ليظهر أن العمليات إرهاب وليست مقاومة مشروعة للاحتلال، مع أن مصادر إسرائيلية نفت الرواية الرسمية، فداعش لم تقاتل إسرائيل في عز قواتها، فلماذا ستقاتلها الآن؟ فجاءت عملية ضياء حمارشة لتعيد الأمور إلى نصابها، وأن ما يجري مقاومة للاحتلال والاستعمار العنصري الاستيطاني.
أي أن حكومة الاحتلال تريد أن تقتل، وتعتقل، وتهدم المنازل، وتمارس كل أنواع التمييز العنصري، وتغلق أي أفق لحل سياسي، وتستعمر، وتحاصر، وتعتدي على المقدسات، وتريد من الفلسطيني ألا يرد! تريد أن تُصعّد من دون رد من المقاومة، وإلا سيعاقب المقاومون والذين يساعدونهم وأقرباؤهم وجيرانهم، وربما قراهم وبلداتهم ومدنهم، وحتى شعبهم إن اقتضى الأمر، لدرجة يتم فيها وقف التسهيلات وفرض العقوبات الجماعية.
وبشكل أوضح، تريد فصل المقاومة عن بيئتها الحاضنة، وخلق واستكمال خلق بنية، سياسية اقتصادية اجتماعية ثقافية كاملة، تتعارض مصالحها مع المقاومة، ولكن هذا لم يغيّر حتى الآن أن هناك أغلبية كبيرة بين الفلسطينيين تؤيد المقاومة، سواء الشعبية أو المسلحة، أو كلاهما.
ومع سقوط 11 قتيلًا إسرائيليًا في شهر آذار، أي أكثر مما قتل في شهر واحد منذ العام 2017، وتنفيذ أكثر من 820 عملية مقاومة، منها أكثر من 50 عملية إطلاق نار؛ انتشرت حالة من الذعر بين الإسرائيليين، وعبرت عن نفسها بمضاعفة عدد الجنود المكلفين بمهمات الحراسة، والتواجد في الضفة والداخل وعلى الخط الأخضر وعلى حدود قطاع غزة، والاستعداد لاستدعاء أجزاء من الاحتياط، وبدعوة رئيس الحكومة بأن يحمل كل إسرائيلي ممن لديه رخصة سلاح سلاحه في دعوة صريحة إلى استباحة دم كل فلسطيني لمجرد الشبهة، وإلا ما معنى وضع مهمة توفير الأمن بأيدي الإسرائيليين جميعًا، وليس كما مفترض بيد الجيش والشرطة والأجهزة الأمنية المناط بها مهمة الحفاظ على "الأمن".
وهناك من دعا إلى تنفيذ عملية "سور واقٍ" جديدة، وهذا يدل على أن نجاحها مؤقت، وهي العملية التي نفذت منذ 20 عامًا في مثل هذا الوقت، وفرضت معادلة جديدة، وأعادت فيها إسرائيل احتلال الضفة، وقتلت ما قتلت، ودمرت مقرات السلطة، بما فيها مقرات أجهزة الأمن ومنازل المواطنين، خصوصًا في مخيم جنين والبلدة القديمة في نابلس، وبنت جدار الفصل العنصري الهادف إلى عزل الفلسطينيين عن الإسرائيليين.
وهناك من الإسرائيليين من دعا إلى العودة إلى سياسة الاغتيالات، وإلى التهديد بالتهجير وسحب الجنسية من كل من ينفذ عملية مقاومة، متجاهلين أن العام الماضي شهد رغم كل الإجراءات والتهديدات والجرائم الهبات التي وحّدت القضية والأرض والشعب داخل فلسطين وخارجها، وامتزج فيها النضال السلمي والشعبي والمسلح؛ ما أدخل سلاح المقاومة في قطاع غزة ضمن الحساب عند التفكير بتنفيذ مخططات عدوانية استيطانية عنصرية ضد شعبنا في الضفة، وخصوصًا القدس، والأسرى الذين يعانون أسوأ شروط الاعتقال.
أما الحكومة الاحتلالية فيتجاذبها اتجاهان:
الاتجاه الأول: متطرف، ويدفع نحو التصعيد، ويخشى من السقوط، وخصوصًا بعد اهتزاز نظرية الردع وما تعرضت له من مزايدة جمهورها، والمعارضة لها من اليمين؛ لذلك تُصعّد إجراءاتها العدوانية رغم حديثها عن التهدئة.
الاتجاه الثاني: أقل تطرفًا، ويحذر من التصعيد كونه يُشغل إسرائيل عما يجري على الجبهة الإيرانية، ويمكن أن يؤدي إلى حرب مع حزب الله الذي سبق أن وضع أمينه العام حسن نصر الله، القدس خطًا أحمر يمكن أن يؤدي إلى حرب إقليمية، وفي ظل عدم وجود حل إسرائيلي حاسم رادع للمقاومة، ويمنعها من الرد الطبيعي على العدوان ضد الفلسطينيين، فلا ردع يمكن أن يردع، سواء للمقاومة الشعبية والمسلحة في الضفة، أو داخل الخط الأخضر، أو للمقاومة في قطاع غزة التي تملك الصواريخ القادرة على الوصول إلى أي مكان في إسرائيل؛ لذلك اختارت حكومة بينيت التصعيد المضبوط على أمل ألا يؤدي إلى انفلات وتصعيد كامل، وأوصت الأجهزة الأمنية بالاستمرار في التسهيلات، وسط تقدير أو زعم إسرائيلي أن "حماس"، تحديدًا، لا تريد تصعيدًا؛ حرصًا على استمرار عملية إعادة الإعمار، واستمرار المنحة القطرية والتسهيلات الإسرائيلية.
خلافا للادعاءات، هدد صالح العاروري، نائب رئيس المكتب السياسي لحماس، بأن المقاومة جاهزة في حال عدم تمكين المصلين من الصلاة في الأقصى، واستمرار الاعتداءات عليه، أو استمرار الظروف السيئة للأسرى الفلسطينيين. كما هدد زياد النخالة، الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي، بأن المقاومة لن تقف مكتوفي الأيدي أمام الاعتداءات والاقتحامات، سواء للمسجد الأقصى أو لجنين.
يمكن أن تنزلق الأوضاع إلى تصعيد أقل أو أكبر، أو شبيه بما حدث في شهري نيسان وأيار الماضيين، وهذا يتوقف أولًا وقبل كل شيء على الإجراءات الإسرائيلية، وهل تنحو نحو التهدئة، أم التصعيد، أم التصعيد الكبير؟ ما يدفع إلى قول ذلك أن المقاومة، خصوصًا في غزة، لم تضع أو تهدد بتنفيذ عمليات في كل الأحوال، بل في حالة تجاوز الاحتلال لخطوط حمر وضعتها. أما المقاومة في الضفة المحتلة فهي ممارسة لحق مشروع في مقاومة الاحتلال.
واضح أن في إسرائيل وفلسطين اجتهادات عدة، منها من يعتقد من الجانبين اعتقادات متشابهة رغم عدم المساواة على الإطلاق بينهما، فهناك الجلاد وهناك الضحية، حول أن الهدوء مناسب له الآن أكثر للتمكن من متابعة الحرب الأوكرانية وتداعياتها المحلية والعربية والإقليمية والدولية، وأهمها إعطاء دفعة كبيرة لإمكانيات التوصل إلى توقيع الاتفاق النووي الإيراني مرة أخرى، ودفعة أخرى للتطبيع العربي مع إسرائيل كما شاهدنا في "قمة النقب"، التي بدت فيها إسرائيل جادة لخلق شرق أوسط جديد تُدمَج فيه في المنطقة، وتتولى فيه دورًا قياديًا، ومنها تفضيل فلسطيني للحفاظ على الهدوء خشية من تمكين إسرائيل من الاستفراد بالفلسطينيين في مرحلة ينشغل فيها العالم بما يجري في أوكرانيا.
وهناك اجتهادات من أطراف فلسطينية وإسرائيلية أخرى ترى أن التصعيد لصالحه؛ حيث تتمكن إسرائيل بمخططاتها لضم الأراضي المصنفة (ج) أو أجزاء منها، وفي تصفية القضية من مختلف أبعادها، أو على الجانب الآخر من يعتقد أن الانتفاضة قادرة الآن على دحر الاحتلال على الأقل من الأراضي المحتلة العام 1967، وبالتالي يجب التقاط اللحظة التاريخية الراهنة قبل أن تضيع.
إذًا، هناك سباق بين التصعيد والتهدئة يتأثر بالتحركات الميدانية المتوقعة والمفاجئة التي يقوم بها أفراد لا ينتمون إلى فصائل المقاومة، أو لا يتحركون بأوامر منها، أو يقوم بها المستوطنون المدججون بالسلاح الذين يقومون باعتداءات بشكل دائم وتتصاعد بكثرة عند تنفيذ عمليات مقاومة، إلا أن هذا السباق يخفي من الخوف أكثر ما يحمل من الأمل، فالمستقبل مجهول، والآتي في ظل احتمالات انهيار النظام العالمي القديم وحلول نظام عالمي جديد مكانه لا يمكن التنبؤ به.
أشرت في مقال سابق من أن تحويل التحديات الجسيمة الراهنة إلى فرص ممكن، ولكنه مرهون بإحداث تغيير جوهري في الوضع الفلسطيني يجعل العامل الفلسطيني فاعلًا وموحدًا ومبادرًا وقادرًا على منع وقوع نكبة جديدة رابعة، مثلما حملت الحربين العالمية الأولى والثانية والسيطرة الأحادية الأميركية على العالم نكبات ثلاث للفلسطينيين: وعد بلفور، وقيام إسرائيل، واتفاق أوسلو وتداعياته، وهذا التغيير هدف لا يزال ليس في متناول اليد رغم إلحاحه والحاجة الشديدة إليه، ولكن تزداد المطالبة به، ويمكن أن تحدث متغيرات تجعله ممكنًا.
قد يكون من مصلحة الفلسطينيين تسخين الأجواء لوقف حالة التهميش للقضية الفلسطينية التي زادت مع انشغال العالم بالحرب الأوكرانية، ولكن وصول التسخين إلى انتفاضة غير مرجح في ظل الانقسام، وعدم وجود هدف مركزي ناظم تعمل الانتفاضة على تحقيقه، ولأن الأمل هو ما يصنع الانتفاضة وليس اليأس، إضافة إلى عدم وجود حاضنة عربية ولا إقليمية ولا دولية للانتفاضة، خصوصًا إذا تم التوقيع على الاتفاق النووي، فإيران ستكون معنية بفترة راحة والتقاط للأنفاس والاستفادة من منافع وثمرات إزالة العقوبات عنها.
تأسيسًا على ما سبق، إنّ اندلاع انتفاضة شاملة مستبعد، لأن الظروف والأسباب التي أدت إلى اندلاع الانتفاضتين الأولى والثانية لم تعد قائمة، فلا يوجد هدف مركزي متفق عليه، ولا قيادة واحدة معترف بها وتتحلى بالإرادة اللازمة، والمؤسسة الوطنية الجامعة التي تمثلها منظمة التحرير مجمدة، والسلطة انقسمت إلى سلطتين متنازعتين، وآمال الناس بإنجاز هدف الدولة حتى على حدود 67 تراجعت كثيرًا، وليس هناك حلم وأمل وهدف كبير قابل للتحقيق لكي تندلع الانتفاضة، وإذا اندلعت ستكون عفوية وبلا قيادة وهدف، ومعرضة للوقوع ضحية الفوضى والفلتان الأمني وتعددية السلطات ومراكز القرار، ويمكن أن تكون موجهة داخليًا وضد الاحتلال.
ستأخذ المواجهات، وهذا طبيعي وجيد، في أكثر الاحتمالات شكل الهبات والموجات، كما حصل منذ توقف الانتفاضة الثانية في العام 2004 وحتى الآن، فمن جهة القيادة الحالية لا تؤمن بالانتفاضة، وتخشى، إذا اندلعت أن تخرج عن السيطرة، وأن تفيد خصمها السياسي، وتساعده على السيطرة على السلطة.
ومن جهة أخرى، تدرك قوى المقاومة رغم قوتها وإنجازاتها أنها محاصرة في سجن، وأن استثمارها سياسيًا في ظل الانقسام محدود جدًا، وأن ربط المقاومة في غزة بالضفة والأقصى وبقية أجزاء الشعب الفلسطيني يفتح احتمالات عديدة، ويساعد على استبعاد شكل الانتفاضات السابقة. وهناك متغير يكمن في أن الاحتلال أدرك قيمة وجود السلطة له؛ لذلك سيسعى لبقائها وعدم انهيارها، خصوصًا مع تزايد المعارضة لها في ظل الغلاء وحالة التوهان والانتظار والتعامل مع السلام الاقتصادي، وإذا حلّت نفسها أو انهارت سيعمل الاحتلال على منع استيلاء قيادة جديدة من "حماس" أو غيرها على السلطة، عبر إقامة سلطات عديدة بدلًا منها وفق خطة الإمارات السبع التي طرحها الباحث الصهيوني مردخاي كيدار. لذلك، فإن سيطرة "حماس" على السلطة بالضفة فزاعة على الأقل حتى الآن، بدليل أنها تطالب بالدخول إلى منظمة التحرير والمشاركة في السلطة.
ومما يحول دون اندلاع الانتفاضة الشاملة أن الاحتلال فرض سياسات وقوانين وإجراءات وأنظمة حكم مختلفة على التجمعات الفلسطينية حتى في الضفة المحتلة نفسها، وهو لا يقيم بشكل دائم في المدن ذات الكثافة السكانية، وبذلك لا يوفر نقاط تماس كثيرة وأهدافًا كبيرة ودائمة للمقاومين أو حتى للمتظاهرين.
الخلاصة: كل السيناريوهات مفتوحة، خصوصًا سيناريو التصعيد، ولكن السؤال: إلى أي درجة يكون التصعيد شاملًا أو جزئيًا، هبة أو موجة انتفاضية أو انتفاضة؟ الله أعلم.