الكوفية:كان له أن يكون أحد أبرز وجوه "المجتمع المخملي"، بما يملك ميزات شخصية واجتماعية، كابن لعائلة "برجوازية" ومظهرا خاصا، لكن الشاب أرنستو تشي ذهب لخيار غير الخيار، سلك طريقا هو الأصعب وأغلى كلفة، بانحيازه لغالبية مطلقة من أهل بلده، وأهل المعمورة جمعاء.
"تشي" الشاب حمل حقيبته الصغيرة، ونظر للوراء وقال سلاما لمن هم لا يشبهون الروح الساكنة به، غادر بيته ومنطقته إلى حيث يرى أنه خيار الصواب، أن يكون جنديا في جيش تحرير البشرية من ظلم لا يجب أن يستمر وعبودية لا مجال أن تكون، ومستعمرين مكانهم "جهنم الإنسانية" وليس حكما وسوطا عليها.
من الأرجنتين غادر الى جزيرة كوبا، رأس حربة كفاح ضد الإمبريالية الأمريكية، التي نجحت في استبدال استعمار الشعوب القديم بمظهر استعماري مستحدث، مستفيدة من نتائج الحرب العالمية الثانية لتفرض هيمنتها الجديدة، ذهب ليرافق الرمز الثوري الصاعد فيديل كاسترو وشقيقه راؤول، ثلاثي صنع مجدا كفاحيا في كوبا إلى أن تحررعام 1959.
في حكم الثورة، بات وزيرا للاقتصاد ورئيسا للبنك المركزي، ولكن روح التمرد هزمت "روح المناصب"، وإن كانت في حكم ثورة حلم بها، خلع سترته وحمل بندقيته مع كوكبة صغيرة من رجال كوبا الذي اختاروا طريق "تشي" نحو الكونغو في أفريقيا لقيادة فعل تحرري بلدانها من الطاغوت الاستعماري وعبودية الجهل والظلام، تاركا رسالة تبقى درسا لأجيال لن تقتلها سيادة الطغيان.
حمل بندقيته وسلك دروب التغيير الانتفاضي في الكونغو، لكنها لم تكتمل أمام التغول العسكري، فغادر مجددا إلى بلد يكمل طريق خيار الثورة التي لا تنتهي فكرا، فكانت بوليفيا الأمريكية اللاتينية، قارة بلده الأصل الأرجنتين، قاد مجموعة من "ثوار" البلد المختار في مواجهة طاغية عسكري "بارينتوس"، مثل مخلبا للمستعمرين الجدد في الولايات المتحدة.
قاتل "تشي" في غابات بوليفيا مع مجموعة صغيرة اعتقد أنها ستكون راس حربة نحو التمرد، وإشعال ثورة ضد الطاغية، لكنها لم تصل إلى نهايتها كما "كوبا" جزيرة الأحرار الجديدة.
توقفت "المغامرة المجنونة" يوم 8 أكتوبر 1967، عندما تمكن أمن النظام الديكتاتوري من الوصول إلى مكانه في أحد غابات بوليفيا، وسجل أحد من اعتقله مشهدا سيبقى صورة حية للثائر، خلال نقله بطائرة من موقع الاعتقال "كان جريئا حد التهور، بصق في وجه أدميرال حضر لاستجوابه، وضرب ضابطا حاول انتزاع الغليون منه".
أصدر الرئيس البوليفي "بارينتس" الذي سيبقى اسمه في سجل السواد الإنساني أمرا بإعدام "تشي" يوم 9 أكتوبر 1967..فتطوع عميلا للمخابرات المركزية الأمريكية من بين جنود جيش المنبوذ لانتقام خاص من الشخصية التي زلزلت "نظم جبانة"، قرر أن يكون الانتقام بما يعكس حقدا فريدا لجسد تمرد على كل ما هو تقليدي، فكان موته أيضا مثيلا لخياره غير التقليدي..
وقبل أن يطلقوا رصاص الموت صرخ به: "أعلم، لقد أتيت لقتلي..أطلق النار.. افعلها.. اطلق علي النار أيها الجبان".. في يوم 9 أكتوبر 1967 كانت تلك هي أخر صرخات الحياة لمن اختار خلودا من طرز خاص.
وستبقى رسالته التي كتبها لرفاق دربه فيديل وراؤول ووالديه تكثف حقيقة الخيار الذي لا يشبه غيره من الخيارات: "أعتقد أن الكفاح المسلح هو السبيل الوحيد أمام الشعوب التي تناضل من أجل تحررها، وأنا ثابت على آرائي، كثير من الناس يدعونني بالمغامر، وهذا صحيح، لكني مجرد نوع خاص من المغامرين، من تلك السلالة التي تخاطر بجلدتها من أجل إثبات أنها على حق".
"غيفارا" مات..الحقيقة الجسدية نعم..غيفارا مات حقيقة الخيار لم تمت ولن تموت..تشي باق في خيار شعوب لا خيار لها سوى أن تواصل طريق المغامرة الثورية، وإن كان بحسابات غير "مجنونة"..