- استهداف شقة سكنية في عمارة ايلياء بمخيم النصيرات وسط قطاع غزة واندلاع حريق بالمكان
- 6 شهداء ومصابون جراء قصف الاحتلال منزلا لعائلة شلدان في حي الزيتون جنوبي مدينة غزة
- صافرات الإنذار تدوي في كريات شمونة ومحيطها
فاجأت إسرائيل المراقبين بنجاحها في تجاوز ما واجهته من رفض شعبي ورسمي عالمي، لمواصلة حرب الإبادة في قطاع غزة، خاصةً حين لم تستجب لكل التحذيرات الإقليمية والدولية، بما فيها الأميركية، واجتاحت رفح، ثم واصلت بعد ذلك الحرب، في ظل صمت إقليمي ودولي، جراء ما شعر به الجميع من إحباط، من عجز الجميع عن إيقاف آلة الحرب الإسرائيلية. لكن رغم ذلك، فإن إسرائيل لم تحقق النصر الكامل ولا الصريح على "حماس" كما توعدت، بل إن "حماس" لم ترفع الراية البيضاء، لا في الميدان ولا في مفاوضات صفقة التبادل، ما اضطر إسرائيل غير الراغبة في وقف الحرب، إلى نقل الحرب إلى الشمال، لتواصل الحرب في انتظار انتصار ما، هنا أو هناك، أو في انتظار "جودو" الانتخابات الأميركية، ونقصد بذلك المرشح الجمهوري دونالد ترامب.
نقل ثقل الحرب من الجنوب الى الشمال، مع عدم التوقف عن مواصلة حرب الإبادة في قطاع غزة، وذلك بالشروع في تنفيذ خطة الجنرالات في جباليا، بقدر ما أراح نتنياهو وكابينت الحرب من الضغط الداخلي، بما في ذلك الناجم عن احتجاج عائلات المحتجزين، بسبب من "التوافق" بين المستويين السياسي والعسكري في الحكومة الإسرائيلية، وحتى ما بين الحكومة والمعارضة، حيث دعم الجميع نقل مركز ثقل الحرب الى لبنان، وبقدر ما أظهر ذلك أيضاً التوافق الذي بقي غائباً طوال عام ما بين نتنياهو وجو بايدن، بقدر ما أظهر خلافاً ومعارضة من جهة أخرى، كانت تظهر معارضة أقل لإسرائيل، طوال حربها التي استمرت عاماً كاملاً على قطاع غزة.
هذه الجهة هي أوروبا الغربية، حيث لم يعد الاعتراض على إسرائيل مقتصراً على دول بعينها، مثل إسبانيا وايرلندا والنرويج، ولكن شمل أهم دول أوروبا الغربية، نقصد فرنسا وإيطاليا وحتى بريطانيا، تلك الدول التي بدأت تباعاً تعلن عن المطالبة ليس فقط بوقف الحرب، ولكن باتخاذ إجراءات ضد إسرائيل، كأداة ضغط لإجبارها على وقف الحرب التي باتت تخوضها وعلى عدة جبهات، وتمارس فيها حرب الإبادة الجماعية، ضد الشعبين الفلسطيني واللبناني حتى الآن، في حين ما زالت تعلن عن كل ما من شأنه أن يوسع دائرة الحرب، لتشمل معظم دول الشرق الأوسط، ليس فقط بمواصلة الحديث عن العداء مع إيران وحسب، ولكن بإعلانات متتابعة عن أطماع توسعية في جغرافيا الشرق الأوسط، بما يشمل عدة دول مجاورة لإسرائيل.
وبالطبع هناك حسابات مختلفة، كذلك هناك بواعث مختلفة للدول، وما يدفع أميركا مثلاً لدعم إسرائيل بكل أسباب القوة العسكرية والسياسية، حتى وهي محكومة بأحزاب فاشية، وحتى وهي تمارس حرب إبادة جماعية، وهو الانتخابات التي تستغلها إسرائيل حالياً أفضل استغلال، كذلك وجود اللوبي الصهيوني في أميركا، واعتبار أميركا إسرائيل بمثابة قاعدتها العسكرية المتقدمة للسيطرة على واحدة من أهم مناطق العالم، للإبقاء على نظامها العالمي أحادي القطب، هو غير ما يدفع أوروبا، خاصة فرنسا التي تعتبر نفسها عرّاباً للبنان، وفرنسا ما زالت تحاول أن تحافظ على الروابط التي جمعتها أيام الاستعمار بمناطق محددة في شمال وغرب أفريقيا وبعض دول الشرق الأوسط، في مقدمتها لبنان لأكثر من سبب.
وقبل أسبوع دعا الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون الى التوقف عن تزويد الأسلحة الى إسرائيل بينما تقوم بقتل المدنيين في قطاع غزة، وأضاف في تصريحات خص بها إذاعة "فرانس انتر"، بأن فرنسا لا تزود إسرائيل بالأسلحة. وهذا بات موقفاً تُجمع عليه دول الغرب الأوروبي، الشريك الكوني لأميركا، والقطب الاقتصادي والعسكري العالمي، فيما أعلنت رئيسة وزراء إيطاليا، جورجيا ملوني في مجلس الشيوخ الإيطالي عشية قمة الاتحاد الأوروبي، عن تعليق تصدير المنتجات العسكرية لإسرائيل منذ بدء حربها على غزة، وأضافت بأن إيطاليا أكثر صرامةً في هذا الأمر من شركائها في فرنسا وبريطانيا وألمانيا.
أما رئيس وزراء إسبانيا بيدرو سانشيز فلم يكتف بمطالبة المجتمع الدولي بحظر تصدير الأسلحة لإسرائيل، فيما يبدو بأن المقصود هنا هو أميركا المورد الرئيسي والذي ما زال يزود إسرائيل بكل ما تحتاجه من سلاح فتاك، بل وبإعادة "تذخير" ترسانتها الحربية، وتعويضها عن كل ما تطلقه من قنابل، ولكن قام سانشيز أيضاً بحثّ دول الاتحاد الأوروبي على الاستجابة لطلب إسبانيا وإيرلندا المشترك بتعليق اتفاقية التجارة الحرة بين الاتحاد وإسرائيل بسبب حربها على كل من غزة ولبنان.
أما رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر فقد قال أول من أمس، بأن حكومته تدرس فرض عقوبات على وزيري المالية والأمن القومي الإسرائيليين، بتسلئيل سموتريتش وايتمار بن غفير، وذلك على خلفية "تصريحات بغيضة" صدرت عنهما، إضافة لتصرفاتهما المثيرة للقلق البالغ في الضفة الغربية، وفي جميع أنحاء المنطقة"، ليرد عليه بن غفير بالقول، بأن الانتداب انتهى!
ولم ينته الأمر عند هذا الحد، بل يبدو بأنه قد بدأ، وأنه مرشح للتصاعد، للقدر الذي ينتقل فيه بأوروبا بكل ما تمثله من ثقل عالمي، من موقف المتفرج، والجالس على الحائط، لموقف آخر مختلف عن الموقف الأميركي تماماً، وقد لوحظ بأن أوروبا سارعت لدعم السلطة الفلسطينية في مواجهة الإجراءات الإسرائيلية الهادفة الى إسقاطها، وذلك بالعودة لتقديم الدعم المالي والسياسي عبر الدعوة لمزيد من الاعتراف بدولة فلسطين، ويبدو أن أوروبا تضع بعين اعتبارها، احتمال عودة دونالد ترامب للبيت الأبيض، بما يحمله ذلك من أخبار سيئة، ستعيد الفجوة والجفاء بين الشريكين الدوليين بعد سنوات قليلة من إغلاقها بفضل بايدن، خاصة حين أجبر أوروبا على العودة للالتصاق بأميركا في حلف الناتو، على خلفية الحرب الروسية_الأوكرانية.
فقد عادت الحرب الكلامية بين ماكرون ونتنياهو مجدداً، حين قال الرئيس الفرنسي قبل أيام وذلك في جلسة مجلس الوزراء الفرنسي، بأنه على رئيس الوزراء الإسرائيلي أن يتذكر بأن إسرائيل أُنشئت بقرار من الأمم المتحدة، لذلك عليها أن لا تتنصل من القرارات الدولية، في إشارة الى عدم تنفيذ إسرائيل لكل ما يصدر عن الأمم المتحدة من قرارات دولية بخصوص فلسطين، ولا حتى فيما يخص لبنان، حيث يدور الحديث عن القرار 1701، أو حتى ربما يكون بذلك يذهب بعيداً، بالتلويح بكون فرنسا وهي واحدة من خمس دول تقود الأمم المتحدة، وتتمتع فيها بحق الفيتو، قد شاركت في إنشاء إسرائيل، التي عليها بدورها أن لا تفكر في "التمرد" على من أنشأها، وقد كانت فرنسا، قبل أميركا هي من زودت إسرائيل بالقوة النووية، نتنياهو رد على ماكرون فوراً بالقول، بأن إسرائيل نشأت نتيجة الانتصار في حرب العام 1948، متبجحاً بقوته العسكرية، التي ما زال يظن بأنها قادرة على فرض إسرائيل قوة إقليمية عظمى، بل وربما دولة عظمى عالمياً.
ويبدو بأن استمرار الحرب مدة عام مضى، في غزة قد تسبب بتآكل التأييد الغربي لإسرائيل الذي ظهر بعد السابع من أكتوبر العام 2023، فيما العام الثاني، الذي بدأ مع استمرار الحرب وتوسيعها لتشمل لبنان أيضاً، ولتشمل لاحقاً دولاً أخرى، فإن لم تندلع الحرب الإقليمية فوراً، فإنما بعد وقت، حيث لن يكون الوقت لصالح إسرائيل، لأن الموقف الغربي، وهو آخر معاقل الانحياز السياسي لإسرائيل بعد أميركا، بدأ ينتقل من تآكل التأييد، إلى الرفض والمعارضة، أي الانتقال الى موقف فاعل يفرض على إسرائيل الانكفاء داخل حدودها، وعدم الاعتداء على الجيران، وقد بدأ هذا الموقف الغربي ينتقل لأميركا نفسها، ويبدو أن الانتخابات فقط تحول دون أن يعلن الديمقراطيون موقفاً مماثلاً للأوروبيين، فها هي نانسي بيلوسي رئيسة الكونغرس السابقة، والتي سبق لها وأن قالت قبل أشهر بأن هدف حياتها هو أن لا تطأ قدم ترامب البيت الأبيض مجدداً، تؤكد على حل الدولتين، وتقول بصريح العبارة بأن نتنياهو لم يؤمن بالسلام أبداً، ثم تضيف بأن الدعم الأميركي لإسرائيل لا يمنحها الترخيص لقتل الكثير من المدنيين.
ويجري هذا في الوقت الذي تقوم فيه أميركا بإرسال بطارية "ثاد" المضادة للصواريخ البالستية، باليد اليمنى، فيما يدها اليسرى كانت تهدد عبر وزيري الخارجية أنتوني بلينكن، والدفاع لويد أوستن بوقف تزويدها بالأسلحة في حال واصلت منع دخول المساعدات الإنسانية لغزة، وقد منحا إسرائيل مهلة شهر واحد لذلك، وواضح تماماً، بأن إسرائيل بحاجة جداً للعتاد ولأسلحة جديدة لمواصلة الحرب، فيما الوقت لم يعد في صالحها، لأن أهداف حربها تتكشف لكل العالم، يوماً بعد يوم.