ميرفت عبد القادر: يحيي العالم اليوم، ذكرى قد تكون جديدة على المسامع، إنه "اليوم الدولي للمختفين" ليس "لعبة استغماية" يختبئ فيها الأشخاص ليبحث عنهم الآخرون، فحسب، بل هو ذكرى سنوية استحدثت للفت الانتباه إلى مصير الأفراد الذين سجنوا في أماكن وظروف سيئة، يجهل ذووهم أو ممثلوهم القانونيون كل شيء عنهم.
البداية
جاءت المبادرة من اتحاد أمريكا اللاتينية لرابطات أقرباء المعتقلين المختفين، وهي منظمة غير حكومية تأسست عام ١٩٨١ في كوستاريكا كرابطة محلية وإقليمية للجماعات التي تعمل بنشاط ضد السجن السري والاختفاء القسري في عدد من دول أمريكا اللاتينية.
العمل على موضوع السجن السري هو جزء مهم من الأنشطة لعدد من الهيئات والمنظمات الدولية في مجالات تعزيز حقوق الإنسان والمساعدات الإنسانية، ومنها منظمة العفو الدولية، ومكتب مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان واللجنة الدولية للصليب الأحمر.
في بعض الحالات، لجنة الصليب الأحمر الدولية هي المؤسسة الوحيدة التي يسمح لها بالوصول إلى فئات معينة من السجناء، وبالتالي تمكين الحد الأدنى من الاتصال والتفتيش حول المعاملة التي يلقونها.
الأمم المتحدة.. الإعلان والتخوفات
اعتمد الإعلان المتعلق بحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري بموجب القرار ٤٧/١٣٣ المؤرخ بـ ١٨ ديسمبر/كانون الأول ١٩٩٢.
وتشير التقديرات إلى أن السجن السرى يمارس فى حوالى ٣٠ بلدًا، وسجل فريق مفوضية حقوق الإنسان العامل على حالات الاختفاء القسري ٤٦ ألف حالة اختفاء في ظروف مجهولة.
أعربت الجمعية العامة للأمم المتحدة عن قلقها بصفة خاصة، إزاء ازدياد حالات الاختفاء القسري أو غير الطوعي في مناطق مختلفة من العالم، بما في ذلك الاعتقال والاحتجاز والاختطاف، عندما تتم في إطار الاختفاء القسري أو تعد اختفاء قسرياً في حد ذاتها، وإزاء تزايد عدد التقارير الواردة عن تعرض الشهود على حالات الاختفاء أو أقارب الأشخاص المختفين للمضايقة وسوء المعاملة أو التخويف.
وقال رئيس اللجنة الدولية بالصليب الأحمر، بيتر ماورير، إن العدد الدقيق للأشخاص المختفين قسرياً في كل أرجاء العالم غير معروف، ولكننا نقدِّره بما لا يقل عن مئات الآلاف.
وأشار إلى أن من بين المقاتلين الذين فُقدوا، وهم يؤدون مهامهم، والأطفال الذين افترقوا عن أسرهم أثناء هروبهم من منازلهم أو أجبروا على الانضمام إلى جماعات مسلحة، والمحتجزين غير القادرين على الاتصال بعائلاتهم، والنازحين داخلياً، والمهاجرين الذين فقدوا الاتصال بأحبائهم.
وطالب ماورير، الحكومات بسرعة معالجة هذه القضية الإنسانية باعتبارها مأساةٌ تضر بملايين الأشخاص، ويثير عدم الاكتراث بها انزعاجاً شديداً.
وتقول الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان، إن عمليات الاختفاء القسري ما زالت تُرتكب وتنتشر دون توقف في مختلف مناطق العالم، وهي جريمة وطنية في معظم الأحيان، وعابرة للحدود في أحيان أخرى، كما أنها تشمل الجنسين ومن كل الشرائح العمرية والطبقات الاجتماعية.
انتهاك خطير
استخدام الاختفاء القسري أسلوبا استراتيجيًا لبث الرعب داخل المجتمع، فالشعور بغياب الأمن الذي يتولد عن هذه الممارسة لا يقتصر على أقارب المختفي، بل كذلك يصيب مجموعاتهم السكانية المحلية ومجتمعهم ككل.
لقد أصبح الاختفاء القسري مشكلة عالمية ولم يعد حكراً على منطقة بعينها من العالم. فبعدما كانت هذه الظاهرة في وقت مضى نتاج دكتاتوريات عسكرية أساساً، يمكن اليوم أن يحدث الاختفاء القسري في ظروف معقدة لنزاع داخلي، أو يُستخدم بالأخص وسيلة للضغط السياسي على الخصوم.
ومما يثير القلق بوجه خاص:
استمرار المضايقات التي يتعرض لها المدافعون عن حقوق الإنسان، وأقارب الضحايا، والشهود، والمحامون الذين يعنون بقضايا الاختفاء القسري؛ واستغلال الدول أنشطة مكافحة الإرهاب كذريعة لانتهاك التزاماتها؛ واستمرار مرتكبو أعمال الاختفاء القسري في الإفلات من العقاب على نطاق واسع.
ويتعين إيلاء اهتمام خاص بمجموعات معينة من السكان الضعفاء، مثل الأطفال وذوي الإعاقات.
واختفى مئات الآلاف في اثناء النزاعات أو فترات الاضطهاد في لا يقل عن 85 بلدا في كل أرجاء العالم.
جريمة ضد الإنسانية
نص كل من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، الذي دخل حيز التنفيذ في 1 يوليو/تموز 2002، والاتفاقية الدولية لحماية الأشخاص من الاختفاء القسري، التي اعتمدتها الجمعية العامة في 20 ديسمبر/ تشرين الثاني 2006، على أن ’’الاختفاء القسري‘‘ يوصف بجريمة ضد الإنسانية عندما يُرتكب ضمن هجوم واسع النطاق أو منهجي على أي مجموعة من السكان المدنيين، ولا يخضع بالتالي لقانون التقادم. وفضلا عن ذلك، فإن لأسر الضحايا الحق في طلب التعويض، والمطالبة بمعرفة الحقيقة في ما يتصل باختفاء أحبائهم.
ولا يزال فريق الأمم المتحدة المعني بقضية الاختفاء القسري، يدعو دول العالم إلى اتخاذ إجراءات عاجلة للبحث عن المختفين قسريًا، والتحقيق مع مرتكبي هذا الجرم، للوصول إلى العدالة.